فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ
(وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ.
هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ طَرَفِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْوَاثِ حَيْثُ قَالَ: قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ وَهِيَ قَدْ أَثَّرَتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَتَكْفِي مُؤْنَتُهَا انْتَهَى: يَعْنِي الضَّرُورَةَ أَثَّرَتْ هَذَا التَّخْفِيفَ فَلَا تُؤَثِّرُ تَخْفِيفُ نَجَاسَتِهَا ثَانِيًا.
وَأَجَابَ بِأَنَّ كُلًّا فِي مَحَزِّهِ لِأَنَّ سُقُوطَ شَطْرِ الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ فِي الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً لَا ثَانِيًا.
وَالْحَقُّ أَنْ لَا وُرُودَ لِلسُّؤَالِ لِيَتَكَلَّفَ الْجَوَابَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ سُقُوطَ الشَّطْرِ مِنْ أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ لِلضَّرُورَةِ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَزِمَ الشَّطْرُ فِي السَّفَرِ لَزِمَ الْحَرَجُ سَقَطَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي دَلِيلِهِمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهِ فَقَالَ فِي الْجَوَابِ: قُلْنَا الضَّرُورَةُ فِي النِّعَالِ إلَخْ.
وَحَاصِلُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ: أَيْ نَعَمْ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَكِنْ مَحَلُّهَا النِّعَالُ، وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ أَثَّرَتْ حَتَّى طَهُرَتْ بِالدَّلْكِ فَانْدَفَعَتْ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ تَخْفِيفِ نَفْسِ النَّجَاسَةِ لِأَخْذِ الضَّرُورَةِ تَمَامَ مُقْتَضَاهَا دُونَ ذَلِكَ التَّخْفِيفِ.
أَمَّا هُنَا فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ كَمَا دَعَتْ إلَى السُّقُوطِ، فَمَجْمُوعُ السُّقُوطِ وَالتَّخْفِيفِ مُقْتَضَاهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إعْطَائِهَا إيَّاهُ
(قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ، إلَى قَوْلِهِ: وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ) الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَةَ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ.
وَأَمَّا وُرُودُ الْأَثَرِ فَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِ ق وَنَحْوِهَا». وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ «كَانَ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى مِائَةِ آيَةٍ» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «إنْ كَانَ ﷺ لَيَؤُمُّنَا فِي الْفَجْرِ بِالصَّافَّاتِ»