قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتَحَقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْكَفِيلَ حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ رَدُّ الثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْكَفِيلِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ يَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَوْضِعُهُ أَوَائِلُ الزِّيَادَاتُ فِي تَرْتِيبِ الْأَصْلِ.
فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ مُؤَجَّلًا لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ أَنْكَرَ يَكُونُ كَاذِبًا وَخَافَ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ كَذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْأَجَلِ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي هَذَا الْمَالُ الَّذِي تَدَّعِيهِ مُؤَجَّلٌ أَمْ مُعَجَّلٌ، فَإِنْ قَالَ: مُؤَجَّلٌ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ قَالَ: مُعَجَّلٌ فَيُنْكِرُ وَهُوَ صَادِقٌ.
وَفِي الْعُيُونِ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا حَلَفَ مَا لَهُ الْيَوْمَ قَبْلَهُ شَيْءٌ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إنْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتَحَقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْكَفِيلَ) وَفَاعِلُ يَأْخُذُ ضَمِيرُ مَنْ وَالْكَفِيلُ مَفْعُولٌ: يَعْنِي لَمْ يُطَالِبْهُ (حَتَّى يُقْضَى لَهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ) أَوْ الْقَضَاءِ بِهِ وَبِالْمَبِيعِ (لَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ) أَيْ لَا يَنْفَسِخُ (عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَاحْتَرَزَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ رِوَايَةِ الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَوَجَّهَ عَلَى الْبَائِعِ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَبِالضَّرُورَةِ لَا يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِحْقَاقِ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَاسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِ الثَّانِي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الثَّمَنُ عَلَى الْأَصِيلِ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُضِيَ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْبَيْعِ فَيَكُونُ اسْتِحْقَاقًا مُبْطِلًا لِلْمِلْكِ رَأْسًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ نَاقِلٌ لِلْمِلْكِ فَمَحَلِّيَّتُهُ لِلْمِلْكِ بَاقِيَةٌ وَاحْتِمَالُ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْبَيْعِ الْقَائِمِ ثَابِتٌ، فَمَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ يَبْقَى الْمِلْكُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُضِيَ عَلَى الْبَائِعِ بِرَدِّ الثَّمَنِ لِارْتِفَاعِهِ حِينَئِذٍ. وَصَحَّحَ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُجِيزَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَبَعْدَ قَبْضِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَالرُّجُوعُ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ فَسْخًا. ثُمَّ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ الْمُبْطِلِ دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ وَدَعْوَى الْوَقْفِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مَسْجِدًا، وَيُشَارِكُ الِاسْتِحْقَاقُ النَّاقِلُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْعَلُ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَمَنْ تَمَلَّكَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ جِهَتِهِ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِمْ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ فِي النَّاقِلِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى كَفِيلِ الدَّرَكِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَأَسْلَفْنَا مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِحْقَاقِ جُمْلَةً.
وَقَوْلُهُ (وَمَوْضِعُهُ) أَيْ الِاسْتِحْقَاقِ (أَوَائِلُ الزِّيَادَاتِ فِي تَرْتِيبِ الْأَصْلِ) يُرِيدُ تَرْتِيبَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِبَابِ الْمَأْذُونِ، وَاحْتَرَزَ بِالْأَصْلِ عَنْ تَرْتِيبِهَا الْكَائِنِ الْآنَ فَإِنَّهُ تَرْتِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute