بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّهِ بِهِ بَلْ بِذِمَّتِهِ فَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِأَخْذِ مَا عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ.
قَالَ (وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ وَهِيَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) وَهَذَا نَوْعُ نَفْعٍ اُسْتُفِيدَ بِهِ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا».
(كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي)
وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ) يَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ الْمُحَالِ بِهِ وَالدَّيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَوَالَةَ قِسْمَانِ، مُقَيَّدَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمُطْلَقَةٌ.
وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمُحِيلُ لِلطَّالِبِ أَحَلْتُك بِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَمْ يَقُلْ لِيُؤَدِّيَهَا مِنْ الْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا أَحَالَ كَذَلِكَ وَلَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَدِيعَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ أَوْ دَيْنٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنُ (لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّ الْمُحْتَالِ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ لِوُقُوعِهَا مُطْلَقَةً عَنْهُ (بَلْ بِذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ (فَيَأْخُذُ دَيْنَهُ أَوْ عَيْنَهُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ) وَمَا عَلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى الدَّيْنِ أَوْ الْغَصْبِ أَوْ عِنْدَهُ يَرْجِعُ إلَى الْوَدِيعَةِ. وَمِنْ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَتَنْقَسِمُ الْمُطْلَقَةُ إلَى حَالَّةٍ وَمُؤَجَّلَةٍ. فَالْحَالَّةُ أَنْ يُحِيلَ الطَّالِبُ بِأَلْفٍ وَهِيَ عَلَى الْمُحِيلِ حَالَّةٌ فَتَكُونُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَالَّةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لِتَحْوِيلِ الدَّيْنِ فَيَتَحَوَّلُ بِالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ، وَلَكِنْ لَهُ إذَا لُوزِمَ أَنْ يُلَازِمَهُ، وَإِذَا حُبِسَ أَنْ يَحْبِسَهُ.
وَالْمُطْلَقَةُ الْمُؤَجَّلَةُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ إلَى سَنَةٍ فَأَحَالَ الطَّالِبُ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ إلَى سَنَةٍ؛ وَلَوْ حَصَلَتْ الْحَوَالَةُ مُبْهَمَةً لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ، وَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ مُؤَجَّلَةً كَمَا فِي الْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ، فَلَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ لَمْ يَحِلَّ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ حُلُولَ الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأَجَلِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ مُحْتَاجٌ إلَى الْأَجَلِ، وَلَوْ حَلَّ عَلَيْهِ إنَّمَا يَحِلُّ بِنَاءً عَلَى حُلُولِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ الْأَصِيلَ بَرِيءٌ عَنْ الدَّيْنِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ؛ وَلَوْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَالْمُحِيلُ حَيٌّ حَلَّ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْأَجَلِ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً رَجَعَ الطَّالِبُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَى أَجَلِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ سَقَطَ حُكْمًا لِلْحَوَالَةِ وَقَدْ اُنْتُقِضَتْ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فَيُنْتَقَضُ مَا فِي ضِمْنِهَا وَهُوَ سُقُوطُ الْأَجَلِ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَدْيُونُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ عَبْدًا مِنْ الطَّالِبِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ عَادَ الْأَجَلُ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَجَلِ كَانَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَقَدْ اُنْتُقِضَ كَذَا هُنَا.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ) جَمْعُ سَفْتَجَةٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ تَعْرِيبُ سُفْتَهَ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُحْكَمُ، سُمِّيَ هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ فِي بَلْدَةٍ إلَى مُسَافِرٍ قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ أَوْ وَكِيلِهِ مَثَلًا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ أَمْرَ خَطَرِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا، رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ حَمْزَةَ، أَنْبَأَنَا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ عُمَارَةَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا ﵁ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute