للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ

وَالدُّعَاءُ، وَهُوَ أَنْ تَجْمَعَ النَّاسَ وَتَدْعُوَهُمْ إلَى طَعَامِك، يُقَالُ مِنْهُ أَدَبَ زَيْدٌ يَأْدِبُ أَدْبًا بِوَزْنِ ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا إذَا دَعَاك إلَى طَعَامِهِ فَهُوَ آدِبٌ، وَالْمَأْدُبَةُ الطَّعَامُ الْمَصْنُوعُ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ يَمْدَحُ قَوْمَهُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ:

وَرِثُوا السُّؤْدُدَ عَنْ آبَائِهِمْ … ثُمَّ سَادُوا سُؤْدُدًا غَيْرَ زُمَرْ

نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى … لَا تَرَى الْآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرْ

وَمِنْهُ مَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدَبَةُ اللَّهِ، فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ آمِنٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مَأْدَبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدَبَتِهِ، بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ تَأْدِيبِهِ، وَكَانَ الْأَحْمَرُ يَجْعَلُهُمَا لُغَتَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُسْتَعْمَلُ لَمَعَانٍ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى الْخَتْمِ وَالْفَرَاغِ مِنْ الْأَمْرِ: يَعْنِي بِإِكْمَالِهِ. وَفِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ الْإِلْزَامُ، وَيُقَالُ لَهُ الْحُكْمُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ مِنْ الْحِكْمَةِ الَّتِي تُجْعَلُ فِي رَأْسِ الْفَرَسِ. .

وَأَمَّا وَصْفُ الْقَضَاءِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْكُلُّ أَثِمُوا هَذَا إذَا كَانَ السُّلْطَانُ لَا يَفْصِلُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَأْثَمُوا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُكْرِهَ مَنْ يَعْلَمُ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا بِإِلْزَامِ الْمَانِعِينَ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ فَقَالَ تَعَالَى ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ وَقَبْلَهُ دَاوُد بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾ «وَبَعَثَ عَلِيًّا قَاضِيًا عَلَى الْيَمَنِ وَمُعَاذًا وَقَالَ لَهُ: بِمَ تَقْضِي؟ فَقَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي فَأَقَرَّهُ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ.

(قَوْلُهُ لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمَوْلَى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ وَيَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ. وَذَكَرَ الْمَوْلَى عَلَى لَفْظِ الْمَفْعُولِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ أَلْقَى عَلَيْهِ الْفِعْلَ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ لَهُ مِنْهُ كَمَا هُوَ الْأَوْلَى (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (فَلِأَنَّ حُكْمَ الْقَضَاءِ يُسْتَقَى مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ) يَعْنِي: كُلٌّ مِنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>