للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَخْتَارَ مَنْ هُوَ الْأَقْدَرُ وَالْأَوْلَى لِقَوْلِهِ «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ».

يَعْمَلَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فِيمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَيَّنُ فِي الْوَقَائِعِ، فَإِنْ أَرَادُوا هَذَا الِالْتِزَامَ فَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمُجْتَهِدِ الْمُعَيَّنِ بِإِلْزَامِهِ نَفْسَهُ ذَلِكَ قَوْلًا أَوْ نِيَّةً شَرْعًا، بَلْ الدَّلِيلُ اقْتَضَى الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ وَالسُّؤَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ طَلَبِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَحِينَئِذٍ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ بِهِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ إلْزَامَاتٌ مِنْهُمْ لِكَفِّ النَّاسِ عَنْ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ وَإِلَّا أَخَذَ الْعَامِّيُّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَوْلُهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَا أَدْرِي مَا يَمْنَعُ هَذَا مِنْ النَّقْلِ أَوْ الْعَقْلِ وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ يَتَّبِعُ مَا هُوَ أَخَفُّ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدٍ مُسَوَّغٌ لَهُ الِاجْتِهَادُ مَا عَلِمْت مِنْ الشَّرْعِ ذَمَّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَنْ أُمَّتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. .

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ) وَهُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ (أَنْ يَخْتَارَ مَنْ هُوَ أَقْدَرُ وَأَوْلَى) لِدِيَانَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَقُوَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا مُثْرِيًا وَإِنْ احْتَسَبَ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَالِ الْيَتِيمِ إذَا عَمِلَ فِيهِ الْوَصِيُّ ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُ سُلَيْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيَّ عَلَى الْقَضَاءِ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ وَعِيَالُهُ عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَكَانَ عُمَرُ يَرْزُقُ شُرَيْحًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَرَزَقَهُ عَلِيٌّ خَمْسِمِائَةٍ وَذَلِكَ لِقِلَّةِ عِيَالِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ ، أَوْ رُخْصِ السِّعْرِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ أَوْ غَلَاءِ السِّعْرِ، فَرِزْقُ الْقَاضِي لَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْرٍ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عَلَى الْقَضَاءِ.

وَإِنَّمَا يَخْتَارُ الْأَوْلَى لِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَتَعَقَّبَ بِحُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ وَقَالَ: إنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ حُسَيْنٍ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ تَوَلَّى مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وَعَلِمَ أَنَّ فِي الْعَشَرَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَقَدْ غَشَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَاَلَّذِي لَهُ وِلَايَةُ التَّقْلِيدِ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ الَّذِي نَصَّبَهُ الْخَلِيفَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>