قَالَ (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنْهُ وَلَا بَأْسَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفُ فِيهِ) كَيْ لَا يَصِيرَ شَرْطًا لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَبِيحَ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الدُّخُولَ فِيهِ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ ﵊ " مَنْ جُعِلَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ "
أَبُو حَنِيفَةَ: كَأَنَّ بِك قَاضِيًا. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ: مَا وَجَدْت الْقَاضِيَ إلَّا كَسَابِحٍ فِي بَحْرٍ فَكَمْ يَسْبَحُ حَتَّى يَغْرَقَ. وَكَانَ دُعِيَ لِلْقَضَاءِ فَهَرَبَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ فَوَافَقَ مَوْتَ قَاضِيهَا، فَهَرَبَ حَتَّى أَتَى الْيَمَامَةَ. وَاجْتَنَبَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ. وَقُيِّدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا لِيَتَقَلَّدَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ الْيَتِيمِ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ وَجَارٍ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «يُدْعَى بِالْقَاضِي الْعَادِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي عُمُرِهِ» وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «مَنْ وَلِيَ عَشَرَةً فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا جِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَمْ يَرْتَشِ فِي حُكْمِهِ وَلَمْ يَحِفْ فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ غُلَّهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَارْتَشَى فِي حُكْمِهِ وَحَافَ فِيهِ شُدَّتْ يَسَارُهُ إلَى يَمِينِهِ ثُمَّ رُمِيَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ» وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ مَكْحُولٍ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ ضَرْبِ عُنُقِي وَبَيْنَ الْقَضَاءِ لَاخْتَرْت ضَرْبَ عُنُقِي.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ قَالَ: اُسْتُعْمِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يُهَنُّونَهُ بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: أَتُهَنُّونَنِي بِالْقَضَاءِ وَقَدْ جُعِلْت عَلَى رَأْسٍ مَهْوَاةٍ مَنْزِلَتُهَا أَبْعَدُ مِنْ عَدَنَ وَأَبْيَنَ. وَأَمَّا مَا فِي الْبُخَارِيِّ «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ» فَلَا يُنَافِي مَجِيئُهُ أَوَّلًا مَغْلُولَةً يَدُهُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute