إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَمُرَادُهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً وَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ وَالْحَبْسُ أَوَّلًا وَمُدَّتُهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فَلَا نُعِيدُهُ.
قَالَ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ (وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدُ عَلَى الْوَالِدِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ
إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَحَمَّلْ ضِيقَ السِّجْنِ وَمَرَارَتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَ الْقَاضِي بَعْدَ الْمُدَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ وَإِلَّا فَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ دَفَعَهُ وَجَبَ إطْلَاقُهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةَ يَسَارِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى سُؤَالٍ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمَدْيُونُ يَمِينَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ حَلَفَ، فَإِنْ نَكَلَ أَطْلَقَهُ، وَلَوْ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَإِنْ حَلَفَ أَبَّدَ حَبْسَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى حُدُوثِ عُسْرَتِهِ.
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ فِي كَيْفِيَّةِ شَهَادَةِ الْإِعْسَارِ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَثِيَابِ لَيْلِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا أَمْرَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَسَأَلَ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْوَاحِدُ الْعَدْلُ فِي إخْبَارِهِ بِالْعُسْرَةِ، وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَبْسِ مِنْ كَفَالَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ
(قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَجُلٌ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ لِمَا فِي ظَاهِرُهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْإِقْرَارِ لَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ، فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي وَصْلِ الْحَبْسِ بِإِقْرَارِهِ فَذَكَرَهُ لِيُؤَوِّلَهُ بِقَوْلِهِ (وَمُرَادُهُ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً وَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ فَتَرَافَعَا) إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ بِمُجَرَّدِ جَوَابِهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِ إلَى الْآنَ شَيْئًا
(قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ) وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَنْ تُقَدِّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ فَرْضِ النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ النَّفَقَةِ قَلِيلًا كَالدَّانَقِ إذَا رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ، فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ فَرْضِهَا لَوْ طَلَبَتْ حَبْسَهُ لَمْ يَحْبِسْهُ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تُسْتَحَقُّ بِالظُّلْمِ، وَالظُّلْمُ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهَا وَلَمْ يُنْفِقْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا فِي يَوْمٍ يَنْبَغِي إذَا قَدَّمَتْهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَإِنْ رَجَعَ فَلَمْ يُنْفِقْ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ سَقَطَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهَا وَهُوَ قِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْقَسْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِالْقَسْمِ وَعَدَمِ الْجَوْرِ، فَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَقْسِمْ فَرَفَعَتْهُ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ لَهَا مِنْ الْحَقِّ لَا يَقْضِي وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ) وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَالِدُ عُقُوبَةً لِأَجْلِ الْوَلَدِ لِأَنَّ التَّأْفِيفَ لَمَّا حَرُمَ كَانَ الْحَبْسُ حَرَامًا لِأَنَّهُ فَوْقَهُ، وَكَذَا لَا يُحَدُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute