قَالَ (وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ) لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ (وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ) وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا (وَإِنْ شَهِدُوا بِهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْخَصْمِ لَمْ يَحْكُمْ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ (وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ) لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهَذَا هُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ،
الْبَلَدِ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ قَبِلَهَا حَقُّ فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ الْكَائِنِ فِي بَلَدِ الْقَاضِي الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ إخْبَارَ الْقَاضِي لَا يُثْبِتُ حُجَّةً فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَكِتَابُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُعْمَلَ بِهِ، لَكِنَّهُ جَازَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
لِحَاجَةِ النَّاسِ
إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ شُهُودِهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدَيْنِ فَجُوِّزَ إعَانَةً عَلَى إيصَالِ الْحُقُوقِ لِمُسْتَحِقِّيهَا وَمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ التَّزْوِيرِ فَإِنَّ الْخَطَّ وَالْخَتْمَ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَالْخَتْمَ فَلَيْسَ بِذَاكَ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ مُنْتَفِيَةٌ بِاشْتِرَاطِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى نَسْبِهِ مَا فِيهِ إلَى الْقَاضِي الْمُرْسَلِ وَأَنَّهُ خَتَمَهُ. وَقِيلَ أَصْلُهُ مَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ «أَنَّهُ ﵊ كَتَبَ: أَنْ وَرِّثْ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ. لَا يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ مِسَاسَ الْحَاجَةِ إلَى كِتَابِ الْقَاضِي لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْكِتَابِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَيُؤَدُّونَ عِنْدَ الْقَاضِي الثَّانِي فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ: فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ يَحْتَاجُ الْقَاضِي الثَّانِي إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي بَلَدِهِ، وَبِالْكِتَابِ يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكْتُبُ بِعَدَالَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ) أَيْ الَّتِي تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (إذَا شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ (عِنْدَ الْقَاضِي) الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ مَا هُوَ عَنْ قَرِيبٍ.
ثُمَّ فَصَّلَ فَقَالَ (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) يُرِيدُ بِالْخَصْمِ الْحَاضِرِ مَنْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مُسَخَّرًا وَهُوَ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى الْكِتَابِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ، لِأَنَّ الْخَصْمَ حَاضِرٌ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ (وَ) إذَا حَكَمَ (كَتَبَ بِحُكْمِهِ) إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا الْمُوَكِّلُ لِيَقْتَضِيَ مِنْهُ الْحَقَّ (وَ) هَذَا الْكِتَابُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْحُكْمِ (هُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا) فِي عُرْفِهِمْ (وَإِذَا شَهِدُوا بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ لَمْ يَحْكُمْ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ (وَ) إنَّمَا (يَكْتُبُ بِالشَّهَادَةِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ لِيَحْكُمَ) هُوَ (بِهَا وَهَذَا هُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) فِي عُرْفِهِمْ نَسَبُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute