للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ، بِخِلَافِ كِتَابِ الِاسْتِئْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ، وَبِخِلَافِ رَسُولِ

تَعْرِيفًا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا.

وَقِيلَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ غَائِبٌ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ لِأَنَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافًا فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي وَجْهٍ.

وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَمِنْهَا خَتْمُ الشُّهُودِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ هُوَ أَوْثَقُ كَمَا قَالَ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَعُدِّلُوا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَفُكُّ الْخَتْمَ حَتَّى يُعَدَّلَ شُهُودُ الْكِتَابِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَيُذْكَرُ، وَإِنْ كَانَتْ دَارًا قَالَ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ دَارًا فِي بَلَدِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا وَذَكَرَ حُدُودَهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يَعْرِفُهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ. وَلَوْ ذَكَرُوا ثَلَاثَةَ حُدُودٍ كَفَى اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ غَلِطُوا فِي بَعْضِ الْحُدُودِ بَطَلَ الْكِتَابُ. وَصُورَةُ كِتَابِ الْعَبْدِ الْآبِقِ مِنْ مِصْرٍ بَعْدَ الْعُنْوَانِ وَالسَّلَامِ أَنْ يَكْتُبَ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْهِنْدِيَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فُلَانٌ حِلْيَتُهُ كَذَا وَقَامَتُهُ كَذَا وَسِنُّهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي، وَقَدْ أَبَقَ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَهُوَ الْيَوْمَ فِي يَدِ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَشْهَدُ عَلَى كِتَابِهِ شَاهِدَيْنِ مُسَافِرَيْنِ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة عَلَى مَا فِيهِ وَعَلَى خَتْمِهِ كَمَا سَيُذْكَرُ، فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ الْقَاضِي مَا تَقَدَّمَ وَفَتَحَ الْكِتَابَ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ لِأَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِمِلْكِ الْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي لَمْ يَشْهَدُوا بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْعَبْدِ مِنْ الْمُدَّعِي وَيَجْعَلُ خَاتَمًا مِنْ الْقَاضِي فِي كَتِفِ الْعَبْدِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا إلَّا لِدَفْعِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ وَيَتَّهِمُهُ بِسَرِقَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَا حَاجَةَ وَيَكْتُبُ كِتَابًا إلَى قَاضِي مِصْرٍ وَيَشْهَدَانِ عَلَى كِتَابِهِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ فَعَلَ مَا يَفْعَلُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمُدَّعِي أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ لِيَشْهَدُوا بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِذَا شَهِدُوا قَضَى لَهُ بِهِ وَكَتَبَ إلَى قَاضِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيُبَرِّئَ كَفِيلَهُ.

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ قَاضِيَ مِصْرٍ لَا يَقْضِي بِالْعَبْدِ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ الْخَصْمَ غَائِبٌ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ كِتَابًا آخَرَ إلَى قَاضِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَيَذْكُرُ فِيهِ مَا جَرَى عِنْدَهُ وَيُشْهِدُ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ مَعَهُ إلَيْهِ لِيَقْضِيَ بِهِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُبَرِّئُ الْكَفِيلَ. وَصُورَتُهُ فِي الْجَوَارِي كَمَا فِي الْعَبْدِ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَدْفَعُ الْجَارِيَةَ إلَى الْمُدَّعِي بَلْ يَبْعَثُهَا عَلَى يَدِ أَمِينٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَهَا مَعَ الْمُدَّعِي يَطَؤُهَا لِاعْتِمَادِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ قَالَا: هَذَا فِيهِ بَعْضُ الْقُبْحِ، فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ الْعَبْدَ يَسْتَخْدِمُهُ قَهْرًا وَيَسْتَغِلُّهُ، فَيَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقَضَاءِ وَرُبَّمَا يَظْهَرُ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ضَمَّ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَكَلَامُنَا عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى الْمُوَافِقَةِ لِلْوَجْهِ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَالزَّوْجَةُ الْمُدَّعَى بِاسْتِحْقَاقِهَا فِي بَلَدِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ تُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ الْأَمَةِ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِيهَا لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَجْرِيَ مَجْرَى الدُّيُونِ، لِأَنَّهَا إذَا قَالَتْ لَسْت أَنَا فُلَانَةَ الْمَشْهُودَ عَلَى أَنَّهَا زَوْجَةٌ الْمُدَّعِي الْمَذْكُورِ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى بَيِّنَةِ أَنَّ فِي قَبِيلَتِهَا مَنْ هُوَ عَلَى اسْمِهَا وَنَسَبِهَا أَنْ تُدْفَعَ إلَى الْمُدَّعِي يَطَؤُهَا

(قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ) أَيْ لَا يَقْبَلُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابُ (إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ الْكَاتِبِ وَأَنَّهُ خَتْمُهُ وَأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>