(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا (وَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا (وَإِذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ (وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ) لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ التَّحْكِيمِ مِنْهُ.
لَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِهِمَا، فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي عَلَى تَحْكِيمِهِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ اخْتَصَمَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي الْعَيْبِ فَحَكَمَ بِرَدِّهِ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ إذَا كَانَ الْعَيْبُ يَحْدُثُ مِثْلُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُوَكِّلُ بِتَحْكِيمِهِ مَعَهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمُوَكِّلُ مَعَهُمْ فِي التَّحْكِيمِ فَفِي لُزُومِهِ لِلْمُوَكِّلِ رِوَايَتَانِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَتَعَدَّ لِأَنَّهُ كَالْمُصَالِحِ. ثُمَّ تُشْتَرَطُ هَذِهِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَوَقْتَ الْقَضَاءِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَكَّمَا عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا فَبَلَغَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَكَمَ لَا يَنْفُذُ كَمَا فِي الْمُقَلَّدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَقْتَ التَّحْكِيمِ ثُمَّ ارْتَدَّ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ثُمَّ الْإِضَافَاتُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْعَبْدِ إلَخْ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ إلَى الْفَاعِلِ جَازَ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. وَفِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَالْحُرِّ، وَتَحْكِيمُ الذِّمِّيِّ ذِمِّيًّا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِمِّيٍّ يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا.
(قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمِينَ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا) إذْ هُمَا الْمُوَلِّيَانِ لَهُ فَلَهُمَا عَزْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ كَمَا أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ وَلَوْ حَكَمَ قَبْلَ عَزْلِهِ نَفَذَ وَعَزْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهُ فَكَذَا هَذَا (وَإِذَا نَفَذَ حُكْمُهُ لَزِمَهُمَا لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ كَامِلَةٍ عَلَيْهِمَا) فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ دُونَ الصُّلْحِ وَبَعْدَمَا تَمَّ الصُّلْحُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَرْجِعَ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ) بِعَيْنِهِ (وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: هُوَ كَالْمُقَلَّدِ فَلَا يُبْطِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَنَحْنُ فَرَّقْنَا بِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي عَامَّةٌ عَلَى النَّاسِ لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْخَلِيفَةِ الْمُقَلِّدِ لَهُ، بِخِلَافِ الْمُوَلِّيَيْنِ لَهُ إنَّمَا لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَقَطْ لَا عَلَى الْقَاضِي فَلَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ الْقَاضِيَ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَكِّمْهُ، وَلِأَنَّ تَقْلِيدَهُمَا إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى شَيْءٍ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ أَوْ يُنْفِذَهُ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ لَيْسَ مَا يُعْفِيهِ ظَاهِرُهُ مِنْ لُزُومِ إبْطَالِ الْقَاضِي إيَّاهُ بَلْ جَوَازُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute