للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عِنْدَهَا.

(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ إنْ أَجْمَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَهُ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ كَمَا إذَا تَجَاحَدَا فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ ثُمَّ الْفَسْخِ، وَبِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ إنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا وَمَا يُضَاهِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاتَ رِضَا الْبَائِع فَيَسْتَبِدُّ بِفَسْخِهِ.

وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَصْحِيحِ الدَّعْوَى إذَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ وَإِنْ لَمْ يُوَفِّقْ الْمُدَّعِي. وَشَاهِدُهُ مَا ذُكِرَ فِي رَجُلٍ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي صِحَّتِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَلَمْ تُزَكَّ أَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَارُهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ قَبِلَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ وَلَا يَكُونُ دَعْوَاهُ الْإِرْثَ تَنَاقُضًا، وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ الْأَبِ أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً لَا يُقْضَى لَهُ بِالدَّارِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ فِي الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ الثَّانِي.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي التَّوْفِيقَ. وَفِي دَعْوَى الْمَبْسُوطِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ الْمُدَّعِي، فَكَانَ التَّوْفِيقُ مِنْ الْمُدَّعِي شَرْطًا فِي رِوَايَةٍ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي أُخْرَى. وَفِي الْمُحِيطِ: قِيلَ مَا قَالُوا يُوَفِّقُ بِغَيْرِ دَعْوَى الْمُدَّعِي قِيَاسٌ، وَمَا قَالُوا لَا يُوَفِّقُ بِدُونِ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانٌ.

فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شِرَاءَ مَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ سَائِرَ الْعُقُودِ تَنْفَسِخُ بِالتَّجَاحُدِ إلَّا النِّكَاحُ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْفَسْخَ يَتَحَقَّقُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ يَجْحَدُهُ، وَحِينَ أَقْدَمَ الْآخَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ فَانْفَسَخَتْ الْهِبَةُ بِتَرَاضِيهِمَا، فَإِذَا اشْتَرَى هُوَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَى مَا لَا يَمْلِكُهُ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ إنْ أَجْمَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِ) وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا (أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِالْجَحْدِ كَمَا إذَا تَجَاحَدَا) مَعًا حَيْثُ يَنْقَسِمُ قَطْعًا (فَإِنْ عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ) وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَزْمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَسْخُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ إذَا عَزَمَ بِقَلْبِهِ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ لَا يَنْفَسِخُ. الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَزْمُ الْمُؤَكَّدُ بِفِعْلٍ اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ إمْسَاكِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>