وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةِ مِثْلِ قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا: لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ وُجُودُ جُمَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِبَعْضِهَا اسْتِثْنَاءٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ وُجُودَ الْجُمَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَطْفِ، فَإِذَا كَانَ الْعَطْفُ يُصَيِّرُهَا كَوَاحِدٍ لَزِمَ فِي كُلِّ اسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ بِجُمَلٍ مَنْسُوقٍ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْكُلِّ وَيَسْتَحِيلَ وُجُودُ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ الْوَجْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطٌ، وَحُكْمُ الشَّرْطِ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا مَنْسُوقَةً بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْكُلِّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ وَلَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَلْزَمْ النَّذْرُ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَمَشَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى حُكْمِهِ، وَهُمَا أَخْرَجَا صُوَرَ كُتُبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِذَا كَانَ قَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانًا رَاجِحًا عَلَى قَوْلِهِ. هَذَا إذَا كَانَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَكْتُوبًا مُتَّصِلًا بِالْكِتَابَةِ، فَلَوْ فَصَلَ بِبَيَاضٍ وَهُوَ الْفُرْجَةُ صَارَ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ فَلَا يَعْمَلُ شَيْئًا اتِّفَاقًا. وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لِلْمَجْهُولِ بِالْخُصُومَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ، وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكِتَابَةِ إثْبَاتُ رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ مَنْ يُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي، فَلَا يَمْتَنِعُ الْمَدْيُونُ عَنْ سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ. وَدَفَعَ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ بِهَذَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ، وَالرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ بَاطِلٌ فَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا. وَقِيلَ بَلْ فَائِدَتُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ لَا يُصَحِّحُ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ إلَّا إذَا وُجِدَ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ مُطْلَقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute