لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغُيَّبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ وَارِثًا غَائِبًا أَوْ غَرِيمًا غَائِبًا، لِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ. كَمَا إذَا دَفَعَ الْآبِقَ وَاللُّقَطَةَ إلَى
الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لَا يُكْفَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَتَأَنَّى الْقَاضِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ مِمَّنْ يَحْجُبُ أَوْ لَا يَحْجُبُ، وَلَوْ قَالُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا.
ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ نَفْيِ الدَّفْعِ إذَا لَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ وَارِثًا لَا يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ، وَتَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ: وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ وَادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَعْرِفُوهُمْ بَلْ قَالُوا وَتَرَكَهَا لِوَرَثَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ لِيَصِيرَ نَصِيبُ هَذَا الْوَاحِدِ مَعْلُومًا، وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ الْمَعْلُومِ مُتَعَذِّرٌ.
وَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: الْأَوَّلُ هَذَا، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَعْرِفُوهُمْ. وَالثَّانِي أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ بِلَا تَلَوُّمٍ، الثَّالِثُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ مَالِكِ هَذِهِ الدَّارِ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ زَمَانًا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى، فَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ آخَرُ قَسَمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ دَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا عِنْدَهُمَا. وَلَا يَأْخُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ ثُمَّ إنَّمَا يَدْفَعُ إلَى الْوَارِثِ الَّذِي حَضَرَ جَمِيعَ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ، فَإِنْ كَانَ يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ حَجْبَ نُقْصَانٍ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ يَدْفَعُ إلَيْهِ أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُف، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَوْفَرَهُمَا وَهُوَ النِّصْفُ لِلزَّوْجِ وَالرُّبْعُ لِلزَّوْجَةِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مُضْطَرِبٌ.
هَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ، فَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْ صُوَرِهِ مَا إذَا أَقَرَّ الْمُودَعُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ، وَهُوَ أَلْيَقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَهُوَ أَنْ يَنْتَظِرَ زَمَانًا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ آخَرُ لَظَهَرَ، وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِعَامٍ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَارِثٌ آخَرُ دَفَعَ الْمَالَ وَأَخَذَ كَفِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ وَارِثٌ آخَرُ.
قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُ، وَقِيلَ يَأْخُذُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ دُونَ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ (لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغُيَّبِ) أَيْ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لَهُمْ (وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ وَارِثًا غَائِبًا أَوْ غَرِيمًا غَائِبًا، لِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ، كَمَا إذَا دَفَعَ) الْقَاضِي (الْآبِقَ وَاللُّقَطَةَ إلَى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute