أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي أَيْضًا) هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَالْجُنُونُ مِنْهُ كَانَ مَعْهُودًا
خِلَافٌ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ أَيْضًا لِلْقَاضِي، لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا) اتَّفَقَا عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ عَقْلِكَ وَ (قَالَ) بَلْ (وَأَنَا مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا) فَالْقَوْلُ لَهُ وَكَمَا لَوْ قَالَ أَقْرَرْت لَكَ وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ بِرْسَامٍ وَهُوَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ بِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ عَمَّا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّ الْقَوْلَ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا يَخُصُّ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بَعْدَ الْعَزْلِ خَاصَّةً، وَكَذَا أَفْرَضَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَمَّا إذَا زَعَمَ: أَيْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ إلَخْ. قَالَ: وَمَنْ ادَّعَى فِيهِ تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَالتَّصْحِيحُ يَخُصُّ مَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي تَعْلِيلِهِ مَا يَعُمُّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ قَالَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمُنَازَعَةَ مَتَى وَقَعَتْ فِي الْحَالَةِ الْمَاضِيَةِ يُحَكَّمُ الْحَالُ كَمَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ، وَفِي الْحَالِ فِعْلُهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَصَادَقَا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ شُرُوحِ الْجَامِعِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَاضِي وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ، لِأَنَّهُ بِالْإِسْنَادِ إلَى الْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلضَّمَانِ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْعَزْلِ بِعْت وَسَلَّمْت قَبْلَ الْعَزْلِ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِرَجُلٍ قَطَعْت يَدَك خَطَأً وَأَنَا عَبْدٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ وَأَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ وَلَا ضَمَانَ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَخَذْت مِنِّي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَقَالَ السَّيِّدُ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ إنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ هَالِكَةً، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ، وَيَأْخُذُهُ مِنْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ ثُمَّ بِالْإِضَافَةِ يُرِيدُ التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ فَكَانَ مُدَّعِيًا، وَكَذَا الْوَصِيُّ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِ الْيَتِيمِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ كَذَا وَهُوَ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْيَتِيمُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ، ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ.
وَاسْتُشْكِلَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ فِيمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ بَلْ وَأَنَا حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَكَذَا كُلُّ مَا أُخِذَ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ بِإِسْنَادِهِ إلَى الْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلضَّمَانِ، وَلَوْ قُلْت أَقَرَّ هُنَاكَ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْقَطْعُ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ فَلَا يُسْمَعُ فَهَاهُنَا أَيْضًا أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ إقْرَارُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ بِذَهَابِ الْعَقْلِ، وَكَذَا الْقَاضِي إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعَزْلِ بِالْأَخْذِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ بِالْإِسْنَادِ وَكَذَا الْوَصِيُّ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَادَّعَى جِهَةَ التَّمَلُّكِ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ لَا فِي جِهَةِ التَّمَلُّكِ، كَمَا لَوْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا هِيَ دَيْنِي عَلَيْك أَوْ الْهِبَةُ الَّتِي وَهَبْتهَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَكَلْت طَعَامَك بِإِذْنِك وَقَالَ: بِغَيْرِ إذْنِي فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ لِأَنَّهُمْ مَا ادَّعَوْا جِهَةَ التَّمَلُّكِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَكَذَا فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا ادَّعَوْا التَّمَلُّكَ لِأَنْفُسِهِمْ لِمَا هُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ فَكَانَ الْقَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute