قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ) أَرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُسْتَأْمَنُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا
مَا تَفَرَّدَ بِهِ مُجَالِدٌ يَجْرِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّاوِيَ الْمُضَعَّفَ إذَا قَامَتْ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا رَوَاهُ حُكِمَ بِهِ لِارْتِفَاعِ وَهْمِ الْغَلَطِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رَجْمَهُ ﵊ كَانَ بِنَاءً عَلَى مَا سَأَلَ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ فِيهِمَا. وَأُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ حُكْمَهَا الرَّجْمُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إذْ هُوَ يُوَافِقُ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بَنَى عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ يَهُودٍ فِي مَحَالِّهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ، فَهَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مُجَالِدًا لَمْ يَغْلَطْ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ. وَأَنْتَ عَلِمْتَ فِي مَسْأَلَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ فِسْقُ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَّهَمُ صَاحِبُهُ بِالْكَذِبِ لَا الِاعْتِقَادُ، إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نُسِخَتْ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾ فَبَقِيَتْ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى جِنْسِهِ بِدَلِيلِ وِلَايَتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَمَمَالِيكِهِ فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى جِنْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا فَلَا شَهَادَةَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِغَيْظِهِ بِقَهْرِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا فِيهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى، وَلِأَنَّهُ وَإِنْ عَادَاهُ لَيْسَ أَحَدُهُمْ تَحْتَ قَهْرِ الْآخَرِ فَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ مُجَرَّدُ الْعَدَاوَةِ مَانِعٌ مِنْ الْقَبُولِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ يُعَادِي مُسْلِمًا ثُمَّ يُشَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ مُضَعَّفٌ بِعُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا مِلَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ فَإِنَّهَا تَجُوزُ عَلَى مِلَّةِ غَيْرِهِمْ» وَأَيْضًا فَقَوْلُ الرَّاوِيِّ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةَ وَاقِعَةِ حَالٍ شَهِدَ فِيهَا بَعْضُ الْيَهُودِ عَلَى بَعْضٍ أَوْ بَعْضُ النَّصَارَى عَلَى بَعْضٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حِكَايَةُ تَشْرِيعٍ قَوْلِيٍّ فَيَعُمُّ شَهَادَةَ الْمِلَّتَيْنِ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ فَلَا نَحْكُمُ بِأَحَدِهِمَا عَيْنًا، غَيْرَ أَنَّ فِي هَذِهِ خِلَافًا فِي الْأُصُولِ، وَرُجِّحَ الثَّانِي وَهُوَ مَسْأَلَةُ قَوْلِ الرَّاوِي «قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ».
(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ) أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute