لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لِكَمَالِ دِيَانَتِهِ وَوُفُورِ وِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِالنَّقْلِ (وَلَوْ قَالُوا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبُوهَا إلَى فَخِذِهَا) وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا، وَلَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ إلَى بَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ
شَاهِدَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ (إنْ قَالَا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسِبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ أَنَّ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَاقْضِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقَالَ هِيَ هَذِهِ يَقُولُ لَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ هَاتِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الَّتِي أَحْضَرْتهَا هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لِتُمْكِنَ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُ الْقَاضِي وَحْدَهُ لِأَنَّهُ كَشَاهِدِ الْفَرْعِ شَهِدَ عَلَى الْأُصُولِ بِمَا شَهِدُوا بِهِ فَقَالَ إنَّ لِلْقَاضِي زِيَادَةَ وَفَوْرِ وِلَايَةٍ لَيْسَتْ لِلشُّهُودِ فَقَامَتْ تِلْكَ مَعَ دِيَانَتِهِ مَقَامَ قَوْلِ الِاثْنَيْنِ فَانْفَرَدَ بِالنَّقْلِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَالَ: وَلَوْ قَالُوا فِي هَذَيْنِ فَلَفْظُ قَالَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَقْلًا لِلَفْظِ الْجَامِعِ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا: أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ قَالَا فِي هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ: أَيْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَنْسِبُوهَا إلَى فَخْذِهَا، يُرِيدُ الْقَبِيلَةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي لَيْسَ مَنْ دُونَهَا أَخَصُّ مِنْهَا، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ اللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ فِي الصِّحَاحِ.
وَفِي الْجَمْهَرَةِ جَعَلَ الْفَخْذَ دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الْبَطْنِ وَأَنَّهُ بِتَسْكِينِ الْخَاءِ وَالْجَمْعُ أَفْخَاذٌ، وَجَعَلَهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْبَطْنِ
وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَالزُّبَيْرُ فَقَالَ: وَالْعَرَبُ عَلَى سِتِّ طَبَقَاتٍ: شَعْبٌ، وَقَبِيلَةٌ، وَعِمَارَةٌ، وَبَطْنٌ، وَفَخْذٌ، وَفَصِيلَةٌ؛ فَالشَّعْبُ تَجْمَعُ الْقَبَائِلَ، وَالْقَبِيلَةُ تَجْمَعُ الْعَمَائِرَ، وَالْعِمَارَةُ تَجْمَعُ الْبُطُونَ، وَالْبَطْنُ تَجْمَعُ الْأَفْخَاذَ وَالْفَخْذُ يَجْمَعُ الْفَصَائِلَ؛ فَمُضَرُ شَعْبٌ وَكَذَا رَبِيعَةُ وَمَذْحِجُ وَحِمْيَرُ، وَسُمِّيَتْ شُعُوبًا لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا، وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ، وَقُرَيْشٌ عِمَارَةُ، وَقُصَيٌّ بَطْنٌ، وَهَاشِمٌ فَخْذُ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ بِالْفَخْذِ مَا لَمْ يَنْسُبْهَا إلَى الْفَصِيلَةِ لِأَنَّهَا دُونَهَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ مَنْ ذَكَرَ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute