للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا وَكَّلَ عَقِيلًا، وَبَعْدَمَا أَسَنَّ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ (وَكَذَا بِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ، بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الرُّجُوعِ، وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَضْرَةِ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ.

فَلَوْ مُنِعَ عَنْهُ

كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ وَكَّلَ فِيهَا عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا كَبِرَ عَقِيلٌ وَكَّلَنِي.

وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ بِالْخُصُومَةِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ : إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ إلَى آخِرِهِ.

بَيَانُ حِكْمَةِ شَرْعِيَّةِ الْوَكَالَةِ

(قَوْلُهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ الَّتِي بِهَا يَثْبُتُ حَقُّهُ أَوْ يَنْدَفِعُ بِهَا عَنْهُ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ.

وَكَذَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِإِيفَائِهَا وَلَا بِاسْتِيفَائِهَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقَطْ فَالنَّفْيُ مُطْلَقٌ، إذْ الْإِيفَاءُ لَيْسَ إلَّا بِتَسْلِيمِ ظَهْرِهِ أَوْ نَفْسِهِ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا مِنْ الْجَانِي وَلَيْسَ هُوَ الْوَكِيلُ، فَكَانَ ذَلِكَ قَيْدًا فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهَا: أَيْ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَتِهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ بِخِلَافِ غَيْبَةِ الشَّاهِدِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي ذَلِكَ مَعَ غَيْبَتِهِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ لَيْسَ إلَّا الرُّجُوعُ، وَلَيْسَ قَرِيبًا فِي الظَّاهِرِ وَلَا ظَاهِرَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ وَلَا الْغَالِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّدْقُ خُصُوصًا مَعَ الْعَدَالَةِ وَالرُّجُوعُ لَيْسَ غَالِبًا، بَلْ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِمِائَةِ عَامٍ لَا يُعْرَفُ إلَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ هَلْ نَدَرَ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا وُجُودَ لَهُ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً يُدَارُ بِاعْتِبَارِهَا حُكْمٌ (بِخِلَافِ) الِاسْتِيفَاءِ (حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ بِهِ تَجُوزُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>