(وَيَؤُمُّ الْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا مَعَ قِيَامِهِ حَقِيقَةً (وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِقُوَّةِ حَالِ الْقَائِمِ وَنَحْنُ تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ»
بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُصَيِّرَ إلَيْهَا ضَرُورَةُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَتَعْلِيلُهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهَا طَهَارَةُ تَلْوِيثٍ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ حَتَّى كَانَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهَا رَفْعَةٌ. وَصَرَّحَ هُوَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي الْبَحْثِ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لَهُ فَقَالَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّيَمُّمِ مَاذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا حُكْمُهُ زَوَالُ الْحَدَثِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ وَهُوَ الْعَدَمُ كَمَا بِالْمَاءِ، إلَّا أَنَّهُ بِالْمَاءِ مُقَدَّرٌ إلَى وُجُودِ الْحَدَثِ، وَهُنَا إلَى شَيْئَيْنِ: إلَى الْحَدَثِ. وَإِلَى رُؤْيَةِ الْمَاءِ انْتَهَى. وَكَوْنُ الِانْتِقَاضِ عِنْدَ الْوُجُودِ بِظُهُورِ الْحَدَثِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الرَّفْعِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ تَحْقِيقِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْجِهَتَانِ فَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ ﵀ هُنَا بِجِهَةِ الضَّرُورَةِ لِنَفْيِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ احْتِيَاطًا. وَعَلَّلَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْمُعْتَدَّةِ وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِجِهَةِ الْإِطْلَاقِ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَهُمَا اخْتَارَا جَانِبَ الْإِطْلَاقِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا طَهَارَةً كَالْمَاءِ لَيْسَ إلَّا مِنْ أَجْلِهَا. وَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ حَدِيثُ «عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبَ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِالتَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ. وَعَلِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ» وَجَانِبُ الضَّرُورَةِ فِي الرَّجْعَةِ. فَلَمْ تَكُنْ طَهَارَةً فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ فَبَقِيَتْ عَلَى الْعَدَمِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْمَقْصُودُ: أَعْنِي أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ اعْتِبَارُهَا عَدَمًا بَعْدَمَا قَوِيَتْ بِاتِّصَالِ الْمَقْصُودِ بِهَا، وَسَنَزِيدُ كَشْفَ الْقِنَاعِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَعَكْسُهُ وَالْقَاعِدُ خَلْفَ مِثْلِهِ جَائِزًا اتِّفَاقًا، وَالْمُسْتَوِي بِالْأَحْدَبِ قِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ بَلَغَتْ حَدَبَتُهُ الرُّكُوعَ فَعَلَى الْخِلَافِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: هُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّ الْقِيَامَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ وَقَدْ وَجَدُوا اسْتِوَاءَ الْأَسْفَلِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا كَمَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لِاسْتِوَاءِ الْأَعْلَى، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: يَصِحُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ إلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ ﵂ فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ بَلَى، لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ لِلصَّلَاةِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute