هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ (فَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَدَّمَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أُمِّيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) وَقَالَ زُفَرُ ﵀: لَا تَفْسُدُ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تُخْلَى عَنْ الْقِرَاءَةِ إمَّا تَحْقِيقًا
لِعَدَمِهَا فِي حَقِّهِمْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِعَجْزِهِ، يُرْوَى هَذَا عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ الْمُقْتَدِيَ بِهِ مُتَنَفِّلًا الْقَضَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَسَادٌ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةٍ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا، وَالشُّرُوعُ كَالنَّذْرِ.
وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ، هَذَا وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ. وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ إمَّا فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ، ثُمَّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ: إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ إذَا عَلِمَا أَنَّ خَلْفَهُمَا قَارِئٌ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: لَا فَرْقَ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ، وَشَرَطَ الْكَرْخِيُّ لِلْفَسَادِ فِي إمَامَةِ الْقَارِئِ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ يَأْتِيهِ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْتِزَامٍ.
وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ تَرْكُ الْفَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ تَفْسُدُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ السَّابِقَ يَقْتَضِيهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ عَدَمَهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ: لَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ حَضَرَ الْقَارِئُ قِيلَ تَفْسُدُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى جَعْلِهَا بِقِرَاءَةٍ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ، وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْقَارِئِ فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ.
وَنَقَلَ فِي الْمُحِيطِ: رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ كَانَ الْقَارِئُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِجِوَارِهِ وَالْأُمِّيُّ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحْدَهُ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْقَارِئُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ جَازَ لِلْأُمِّيِّ الصَّلَاةُ دُونَ انْتِظَارٍ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى.
وَفِي الْكَافِي: إذَا كَانَ بِجِوَارِهِ مَنْ يَقْرَأُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ وَانْتِظَارُهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِيُلْزِمَهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ الْقُدْرَةُ إذَا صَادَفَهُ حَاضِرًا مُطَاوِعًا انْتَهَى.
وَأَصَحِّيَةُ الْفَسَادِ فِي الثَّانِيَةِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَعَ ظُهُورِ عَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافِيَّةُ الَّتِي يَحْمِلُ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ فِيهَا عَدَمَ الْفَسَادِ إمَّا أَنْ تَكُونَ إذَا شَرَعَا مَعًا مُنْفَرِدَيْنِ وَالْأُمِّيُّ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَارِئَ يُرِيدُ الشُّرُوعَ فِي الْمَكْتُوبَةِ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْكَافِي مِنْ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ إذَا كَانَ حَاضِرًا مُطَاوِعًا مَعَ نَفْيِهِ وُجُوبَ الطَّلَبِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَالْمُطَاوَعَةُ وَعَدَمُهَا إنَّمَا تُعْرَفُ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ صُورَةَ خِلَافِيَّةِ الْكَرْخِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهَا تَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ لَا الْمُصَنِّفِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْقُدْرَةُ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْأَعْمَى وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا. قُلْنَا: إنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ الْغَيْرِ إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَهُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ بِلَا اخْتِيَارِهِ فَيَنْزِلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمَنْقُولَةِ لَوْ تَحَرَّمَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَائْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَفْسُدُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ