إمَامٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هَاهُنَا، وَيُتِمُّ الْأَوَّلُ صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِالثَّانِي كَمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ حَقِيقَةً (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ
إنَّ مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْمَتْرُوكَةِ وَبَيْنَ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهَا رَكْعَةً تَامَّةً لَا تُرْتَفَضُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُرْتَفَضُ وَقَالَ قَبْلَهُ فِيهِ: وَإِنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَةً سَجَدَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ بِرُكُوعِهِمَا وَسُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعُ قَبْلَ رَفْعِ الرَّأْسِ يُقْبَلُ الِارْتِفَاضُ، فَبِسُجُودِهِ الْمَتْرُوكَةَ رَفَضَ الرُّكُوعَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّمَامِ اهـ.
وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ لَا لِلْقَاعِدَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ مَا يَتَّحِدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْقَعْدَةُ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مُطْلَقًا شَرْطٌ لَا بَيْنَ الْمُتَّحِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْمُتَعَدِّدُ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الْمُتَعَدِّدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقَعْدَةِ، فَلَوْ جَازَ تَأَخُّرُ شَيْءٍ عَنْهَا لَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُتَعَلِّقَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، بِخِلَافِ تَقْدِيمِ سُجُودِ الرَّكْعَةِ عَلَى رُكُوعِهَا وَالرُّكُوعِ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى السُّجُودِ بَعْدَهُ وَالْقِيَامُ إلَى الرُّكُوعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّقَدُّمِ الْمَعْهُودِ، وَكَذَا بِتَقَدُّمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهَا زِينَتُهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا، وَبِتَذَكُّرِ السَّجْدَةِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا مِنْ الْأُولَى لَمْ يَتَحَقَّقْ تَقْدِيمٌ لَهُ عَلَى رُكُوعِ الْأُولَى بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ التَّعْدِيَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُعِدْ عَلَى مَا هُوَ الْأَمْرُ الْجَائِزُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ قَبْلَهُ لِالْتِحَاقِهِ بِمَحَلِّهِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَوُجُوبُ كَوْنِهِ قَبْلَهُ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ بِدَلِيلِ حَالِ الْمَسْبُوقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعُذْرِ، بِخِلَافِ السَّجْدَةِ فِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ فِي الْخَتْمِ كَوْنَهُ فِي الْقَعْدَةِ مَعْنًى وَصُورَةً فَلَا يَكْفِي اعْتِبَارُهَا مُتَأَخِّرَةً عَنْ السَّجْدَةِ الْمُتَذَكَّرَةِ فِيهَا.
(قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ) لَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرَادَةٌ بِهَذَا، أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ فَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهَا هِيَ الْمُرَادَةُ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى خَرَجَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، وَالشَّيْخُ أَبْهَمَ الصَّلَاةَ فَيُرَادُ صَلَاةُ مَنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ الْمَأْمُومَ أَوْ الْإِمَامَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشْكِلُ فَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بَلْ غَايَتُهُ الْوُجُوبُ تَحْصِينًا لِصَلَاةِ غَيْرِهِ عَنْ الْفَسَادِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَغَايَةُ مَا فِي خُرُوجِهِ بِلَا اسْتِخْلَافٍ تَأْثِيمُهُ لِسَعْيِهِ فِي فَسَادِ صَلَاةِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَإِمَامٍ تَعَمَّدَ التَّأَخُّرَ عَمَّنْ خَلْفَهُ حَتَّى فَسَدَتْ بِتَقَدُّمِهِمْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ) أَوْ أُمِّيٌّ: أَيْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute