أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ. لِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ ﵊ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَلَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ طَائِفَةٌ: تَطَوُّعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: لَا مُنَافَاةَ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّافِلَةِ الزَّائِدَةُ: أَيْ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فُرِضَ عَلَى غَيْرِك: أَيْ تَهَجَّدْ فَرْضًا زَائِدًا لَك عَلَى مَا فُرِضَ عَلَى غَيْرِك، وَرَبُّنَا يُعْطِي التَّقْيِيدَ بِالْمَجْرُورِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ النَّفَلُ الْمُتَعَارَفُ يَكُونُ كَذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ، وَأُسْنِدَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنَ وَأَبِي أُمَامَةَ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا نَافِلَةً بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا فِي حَقِّهِ ﷺ عَامِلَةً فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا عَامِلَةٌ فِي تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ بَلَى قَالَتْ: خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْقُرْآنُ، قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ وَلَا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ أَلَسْتَ تَقْرَأُ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا﴾ قُلْت بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ حَوْلًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشْرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ وَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ» الْحَدِيثَ وَبَاقِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَزِدْ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّهُ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ نَسَخَ وُجُوبَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ ﷺ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى») أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَفِيهِ شُعْبَةُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِيهِ، فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْهُ ﷺ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةَ النَّهَارِ، وَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ، وَقَوْلُهُ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى إسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا يُعَارِضُ كَلَامَهُ هَذَا لِأَنَّ جَوْدَةَ السَّنَدِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْخَطَأِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى دَخَلَتْ عَلَى الثِّقَاتِ، وَلِهَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ بِسَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ عِلَّةً يَطُولُ بِذَكَرِهَا الْكَلَامُ انْتَهَى، وَلَوْ سَلِمَ فَسَنَذْكُرُ الْجَوَابَ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ) فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْفَصْلِ فِيهَا، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ لَهُمَا لَا كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لَهُمَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» لِأَنَّهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْجَوَابِ عَنْ مَرْوِيِّ الشَّافِعِيِّ «صَلَاةُ النَّهَارِ مَثْنَى» وَهُوَ بِعَيْنِهِ جَوَابٌ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ شَفْعًا لَا وِتْرًا فَهُوَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ دَعَا إلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ مُعَارَضَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْأَرْبَعِ سُنَّةً رَاتِبَةً مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ ﵂ «مَا صَلَّى ﵊ الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا» وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ «كَانَ ﷺ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يَأْوِي إلَى فِرَاشِهِ» الْحَدِيثُ بِطُولِهِ.
وَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذَةَ أَنَّهَا «سَأَلْتُ عَائِشَةَ ﵂ كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ» وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا طَيِّبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَتْ عَمْرَةُ: «سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ ﵂ تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ» لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْأَوَّلَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَ بِتَسْلِيمَةٍ إذْ لَوْ قَصَدَتْ إفَادَةَ كَمِّيَّتِهِ فَقَطْ كَانَ صَحِيحًا مَعَ الْفَصْلِ، وَفِي التَّارِيخِ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ رَكْعَةٍ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute