للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ،

وَبَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْهَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ثُمَّ سَمِعَهُ يَقُولُ اقْرَأْ فِي الصَّلَاةِ تَبَادَرَ إلَيْهِ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي بِمُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْمُقَدَّمَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي نَفْسِهِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ مِنْ قَوْلِهِ «فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» فَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِظَنِّيٍّ، وَقَوْلُهُمْ الصَّلَاةُ مُجْمَلٌ، وَوَقَعَ الْبَيَانُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي مُسَمَّى الصَّلَاةِ لَا يَنْفِي عَدَمَ الْإِجْمَالِ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهَا مِنْ الْأَرْكَانِ شَرْعًا بَيَانًا إذَا كَانَ دَلِيلُهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ.

بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَلِمَ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَمَا هُوَ مُحَصَّلُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ يُكْرَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ إنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُصَرَّحَ بِهَا إذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ لِعَدَمِ شَرْعِيَّةِ الْوَاحِدَةِ وَقِلَّةِ شَرْعِيَّةِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ بَقِيَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا ذَكَرَ لَهُ وَمِنْهُ الْقِرَاءَةُ، بِخِلَافِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُوَاظَبَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ كَحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا تُفْهَمُ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجُمْلَةِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَغَيْرِهِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ صَارِفٌ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَا: اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ.

وَهُوَ عَنْ عَائِشَةَ غَرِيبٌ، بِخِلَافِهِ عَنْ غَيْرِهَا فِي مُوَطَّأِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْقُرَشِيُّ عَنْ حَمَّادِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ وَمَا يُخَافِتُ فِيهِ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَلَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَاتِحَةً وَسُورَةً وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِشَيْءٍ. وَهَذَا بَعْدَ مَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الِانْقِطَاعِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ غَيْرِهِمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَإِلَّا فَاخْتِلَافُهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْوُجُوبِ لَا يَصْرِفُ دَلِيلَهُ عَنْهُ، فَالْأَحْوَطُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ.

وَأَمَّا مَا قِيلَ أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ يُفِيدُ نَفْيَ الْكَمَالِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ ذَلِكَ هُنَا وَيَقُولُونَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَخْلَفَ الْقَارِئُ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ مَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ مَعَ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ خِلَافًا لِلثَّلَاثَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدًّى فَيَجُوزُ فَدَفَعَهُ هَؤُلَاءِ بِعَيْنِهِمْ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>