أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَنْ إقَامَتِهَا كَانُوا مُسِيئِينَ، وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ ﵃ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ
وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ،
رَكْعَةً ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَفِي الْمُوَطَّإِ رِوَايَةٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ. وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ وَقَعَ أَوَّلًا ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ الْمُتَوَارِثُ، فَتَحْصُلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ سُنَّةٌ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ فِي جَمَاعَةٍ فَعَلَهُ ﷺ ثُمَّ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ، أَفَادَ أَنَّهُ لَوْلَا خَشْيَةَ ذَلِكَ لَوَاظَبْت بِكُمْ، وَلَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ ﷺ فَيَكُونُ سُنَّةً، وَكَوْنُهَا عِشْرِينَ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَوْلُهُ ﷺ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» نَدْبٌ إلَى سُنَّتِهِمْ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ سُنَّتَهُ. إذْ سُنَّتُهُ بِمُوَاظَبَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَّا لِعُذْرٍ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ ذَلِكَ الْعُذْرِ إنَّمَا اسْتَفَدْنَا أَنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَتَكُونُ الْعِشْرُونَ مُسْتَحَبًّا وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهَا هُوَ السُّنَّةُ كَالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مُسْتَحَبَّةٌ وَرَكْعَتَانِ مِنْهَا هِيَ السُّنَّةُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّ السُّنَّةَ عِشْرُونَ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَا قُلْنَا، فَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ مَا هُوَ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ لَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ) ذُكِرَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَنَافِعٍ وَسَالِمٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَجَوَابُهُ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ ﷺ وَبَيَانِ الْعُذْرِ فِي تَرْكِهِ وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
(قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ) قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَالْمُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ بَدَلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فُرَادَى، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، إلَّا أَنَّهُ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ التَّنَفُّلِ مَا شَاءَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ بِجَمَاعَةٍ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا أَوْ يُصَلُّونَ أَرْبَعًا فُرَادَى، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الِانْتِظَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute