للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ»

إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدْ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ» وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا وَقْفَهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي نِسْبَةِ الْخَطَإِ فِي رَفْعِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلَى التَّرْجُمَانِيِّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَهُمَا ثِقَتَانِ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي التَّرْجُمَانِيِّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ، وَلِذَا وَثَّقَ ابْنُ مَعِينٍ سَعِيدًا، وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ تَوْثِيقَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَهِمُ.

فَإِنْ قُلْت: لَا يُقَاوِمُ مَالِكًا. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضٍ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ لَيْسَ كَوْنُ الِاعْتِبَارِ لِلْأَكْثَرِ وَلَا لِلْأَحْفَظِ وَإِنْ كَانَتْ مَذَاهِبَ بَلْ لِلرَّافِعِ بَعْدَ كَوْنِهِ ثِقَةً، وَهَذَا لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِذَاكَ هُوَ عِنْدَ تَعَارُضِ الْمَرْوِيَّيْنِ. وَلَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ لِظُهُورِ أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَقِفُ الْحَدِيثَ وَقَدْ يَرْفَعُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَمَسَّكْ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَقْتَ التَّذَكُّرِ لَا فَسَادُ الْوَقْتِيَّةِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ الْمُفَادُ فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ لِلْفَسَادِ لِمَا أَسَلَفنَا مِنْ وُجُوبِ إعَادَةِ الْمُؤَدَّاةِ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ سَلَّمْنَاهُ.

لَكِنَّ فَسَادَ الْوَقْتِيَّةِ بِهَذَا الْخَبَرِ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُجِّيَّتِهِ مُعَارَضٌ بِصِحَّتِهَا بِالْقَاطِعِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ وَقْتُهَا، وَلَازِمُهُ الشَّرْعِيُّ الصِّحَّةُ فِيهِ، وَلَازِمُ الْقَطْعِيِّ قَطْعِيٌّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى قَطْعِيَّةِ اللُّزُومِ: وَقَطْعِيَّةُ لُزُومِ الصِّحَّةِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ الثَّابِتَةِ شَرْعًا.

وَقَدْ ثَبَتَ اشْتِرَاطُ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ بِهَذَا النَّصِّ فَيَتَوَقَّفُ قَطْعِيَّةُ لُزُومِ الصِّحَّةِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيمِهَا، لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إثْبَاتُ شَرْطٍ لِلْمَقْطُوعِ بِهِ بِظَنِّيٍّ، وَقَدْ الْتَزَمَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ: مَا عَمِلْتُمْ بِخَبَرِ الْفَاتِحَةِ مِثْلَ مَا عَمِلْتُمْ بِخَبَرِ التَّرْتِيبِ حَيْثُ قُلْتُمْ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَرْكِ التَّرْتِيبِ لَا عِنْدَ تَرْكِ الْفَاتِحَةِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ لِزِيَادَةِ شَرْطٍ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ زِيَادَةُ رُكْنٍ فِيهَا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ أَحَطُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الرُّكْنُ انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ إثْبَاتَ شَرْطٍ لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّحَّةِ مِنْ عَيْنِ الزِّيَادَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقَاطِعِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّحَّةِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَجُوزُ. وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَدَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ فِي النِّهَايَةِ إلَى جَوَابٍ آخَرَ جَعَلَهُ الْأَصَحَّ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>