وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَعَنْ كَثِيرٍ مُمْكِنٌ، وَمَا يَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ. .
مِنْ النَّفْلِ سَاهِيًا، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ فِيهَا السَّهْوُ
(قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ فِي الْمُخَافَتَةِ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ خَافَتْ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ آيَةٍ قَصِيرَةٍ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا.
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِ الْمُخَافَتَةِ أَغْلَظُ مِنْ قَلْبِهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَغَلُظَ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّ لِصَلَاةِ الْجَهْرِ حَظًّا مِنْ الْمُخَافَتَةِ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَلَا حَظَّ لِصَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فِي الْجَهْرِ بِحَالٍ فَأَوْجَبْنَا فِي الْجَهْرِ وَإِنْ قَلَّ، وَشَرَطْنَا الْكَثْرَةُ فِي الْمُخَافَتَةِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْأَكْثَرِيَّةَ فِي الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا ثَنَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا شُرِعَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلَاوَةً حَقِيقِيَّةً فَبِالنَّظَرِ إلَى جِهَةِ الثُّنَائِيَّةِ لَا يُوجِبُ، وَإِلَى جِهَةِ التِّلَاوَةِ يُوجِبُ قَدْرَ الْفَرْضِ مِنْهَا فَاعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ مُلَاحَظَةً لِلْجِهَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ أَمَّا فِي الْمُخَافَتَةِ فَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْجَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْهَا مُتَعَسِّرٌ، فَإِنَّ فِي مَبَادِئِ التَّنَفُّسَاتِ غَالِبًا يَظْهَرُ الصَّوْتُ، وَفِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا»، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا السَّبَبِ. وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا قُرْآنٌ أَلْبَتَّةَ، وَكَوْنُهَا ثَنَاءً بِصِيغَتِهِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ثَنَاءٌ وَقَصَصٌ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اعْتِبَارَ جِهَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ فِيهِ فِي حَقِّ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَكَوْنُ شَرْعِيَّتِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَمْنُوعٌ، بَلْ شُرِعَ فِيهِمَا ابْتِدَاءُ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الثَّنَاءِ وَالسُّكُوتِ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ.
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهُ مُخَيَّرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ تَجْوِيزَ الْجَهْرِ لَهُ، وَقَدَّمْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute