﵊ «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ» (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ» وَالِاسْتِقْبَالُ بِالسَّلَامِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ عُرِفَ مُحَلِّلًا دُونَ الْكَلَامِ، وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ يَلْغُو، وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَهَّمُ آخِرَ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَصِيرَ تَارِكًا فَرْضَ الْقِعْدَةِ.
إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْتَقْبِلْ» وَهُوَ غَرِيبٌ، وَإِنْ كَانُوا هُمْ يَعْرِفُونَهُ، وَمَعْنَاهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَدْرِي صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا: يُعِيدُ حَتَّى يَحْفَظَ.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَشُرَيْحٍ، وَمَا فِي الصَّحِيحِ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ» وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلَفْظُ التَّحَرِّي وَإِنْ لَمْ يَرْوِهِ مِسْعَرٌ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُمْ، فَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْحَافِظُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ.
وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ الْكُلُّ سَلَكُوا فِيهَا طَرِيقَ الْجَمْعِ بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَحْمَلٍ يُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَوَّلُ شَكٍّ عَرَضَ لَهُ إمَّا مُطْلَقًا فِي عُمُرِهِ أَوْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَاخْتِيرَ الْحَمْلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّكُّ لَيْسَ عَادَةً لَهُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْأَوَّلَ بِلَا شَكٍّ وَالثَّانِيَ ظَاهِرًا، وَيُسَاعِدُهُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إسْقَاطِ مَا عَلَيْهِ دُونَ حَرَجٍ لِأَنَّ الْحَرَجَ بِإِلْزَامِ الِاسْتِقْبَالِ إنَّمَا يَلْزَمُ عِنْدَ كَثْرَةِ عُرُوضِ الشَّكِّ لَهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَوْ لَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى يَقِينِ الْإِسْقَاطِ دُونَ حَرَجٍ لِأَنَّ عُرُوضَهُ قَلِيلٌ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ فَلَا يَدْفَعُ الشَّكُّ حُكْمَ الظَّاهِرِ، وَحَمْلُ عَدَمِ الْفَسَادِ الَّذِي تَظَافَرَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَكْثُرُ مِنْهُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ بِتَقْدِيرِ الْإِلْزَامِ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا بِالنَّافِي فَوَجَبَ أَنَّ حُكْمَهُ الْعَمَلُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي وَيُجْعَلُ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ الثَّانِي، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ مَحْمَلُ الثَّالِثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
وَأَمَّا مَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ مِنْ إنَاطَةِ سُجُودِ السَّهْوِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ وَإِنْ ذَكَرَ الصَّوَابَ يَقِينًا وَبَنَى عَلَيْهِ فَمَحْمَلُهُ أَنْ يَشْغَلَهُ الشَّكُّ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ حَتَّى لَزِمَهُ تَأْخِيرُ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ يَقْعُدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ آخِرُ صَلَاتِهِ كَيْ لَا يُتْرَكُ الْفَرْضُ) وَهُوَ الْقَعْدَةُ مَعَ تَيَسُّرِ طَرِيقٍ تُوَصِّلُهُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute