للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْوَسَطُ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّقْدِيرُ بِالْمَرَاحِلِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَرَاسِخِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَلَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْمَاءِ) مَعْنَاهُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ

نَقُولُ: لَا يَقْصُرُ هَذَا الْمُسَافِرُ، وَأَنَا لَا أَقُولُ بِاخْتِيَارِ مُقَابِلِهِ بَلْ إنَّهُ لَا مُخَلِّصَ مِنْ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ إلَّا بِهِ، وَأَوْرَدَ أَنَّ لُزُومَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي السَّفَرِ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِهَا ظَرْفًا لِيَمْسَحَ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ كَوْنُهَا ظَرْفًا لِمُسَافِرٍ، وَالْمَعْنَى الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَمْسَحُ، وَإِنَّهُ لَا يَنْفِي تَحَقُّقُ مُسَافِرٍ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيَقْصُرُ مُسَافِرُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ رُخْصَةِ الْقَصْرِ السَّفَرُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ نَقْلٌ فِيهِ، وَلَا إجْرَاءُ حُكْمِ الرُّخْصَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ لِمُسَافِرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْهُ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْقَصْرَ فِي الْأَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهِيَ تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَأُجِيبَ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ لِضَعْفِ رَاوِيهِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ فَبَقِيَ قَصْرُ الْأَقَلِّ بِلَا دَلِيلٍ.

وَلَوْ سَلِمَ فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَفْهُومِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانَ قَطْعُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ إنَّمَا ثَبَتَ بِمَفْهُومِ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ بُرُدٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَازَمَ جَعْلَهُ ظَرْفًا لِمُسَافِرٍ كَمَا هُوَ جَوَازُ مَسْحِ الْأَقَلِّ كَذَلِكَ هُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ مَسْحِ الْمُسَافِرِ دَائِمًا مَا دَامَ مُسَافِرًا. فَإِنْ تَمَّ مَا ذُكِرَ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ اللَّازِمِ بَقِيَ هَذَا مُحْتَاجًا إلَى الْجَوَابِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ لَمَّا كَانَ أَنَّ الْمُقِيمَ يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَطَلَ كَوْنُهَا ظَرْفًا لِلْمُسَافِرِ، وَإِلَّا لَزِمَ اتِّحَادُ حُكْمِ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهِيَ صُورَةُ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَهُوَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ لِلْعِلْمِ بِفَرْقِ الشَّرْعِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ ظَرْفًا؛ لِيَمْسَحَ أَنَّ السَّوْقَ لَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ كَمِّيَّةِ مَسْحِ الْمُسَافِرِ لَا لِإِطْلَاقِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الظَّرْفِ لِمُسَافِرٍ يَكُونُ يَمْسَحُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ.

(قَوْلُهُ: وَالسَّيْرُ الْمَذْكُورُ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى سَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ، فَيَدْخُلُ سَيْرُ الْبَقَرِ يَجُرُّ الْعَجَلَةَ وَنَحْوُهُ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يُقَدَّرُ بِهَا فَقِيلَ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا، وَقِيلَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ بِقَدْرِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا تُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعْرًا بِحَيْثُ يَقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ.

وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِأَحَدِ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ سَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِمَشْيِ الْأَقْدَامِ لَوْ سَارَهَا مُسْتَعْجِلٌ كَالْبَرِيدِ فِي يَوْمٍ قَصَرَ فِيهِ وَأَفْطَرَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَهُوَ قَطْعُ مَسَافَةِ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَمَشْيِ الْأَقْدَامِ، كَذَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ قَصْرُ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ، وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبَ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَهُوَ بَعِيدُ الِانْتِفَاءِ مَظِنَّةَ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ: أَعْنِي التَّقْدِيرَ بِسَيْرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرِهَا؛ لِأَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>