للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى بِأَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ

ظَنِّ إقَامَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ إفْسَادِهِ بِسَلَامِهِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتَاوَى إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطُ الْأَدَاءِ بِجَمَاعَةٍ انْتَهَى لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ: رَجُلٌ صَلَّى بِالْقَوْمِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فِي قَرْيَةٍ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ أَمُسَافِرٌ هُوَ أَمْ مُقِيمٌ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَمْ مُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، فَإِنْ سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ انْتَهَى. وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ صَلَاتِهِ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُتِمُّوا ثُمَّ يَسْأَلُوهُ فَتَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ. وَحَدِيثُ «أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَشَهِدْت مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

هَذَا وَلَوْ قَامَ الْمُقْتَدِي الْمُقِيمُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ رَفَضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ الْإِمَامِ. وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ بِوَاسِطَةِ التَّغَيُّرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِمَا، فَإِنْ انْفَرَدَ فَسَدَتْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ بَعْدَ مَا سَجَدَ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُنْفَرِدًا، فَلَوْ رَفَضَ وَتَابَعَ فَسَدَتْ لِاقْتِدَائِهِ حَيْثُ وَجَبَ الِانْفِرَادُ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَسْأَلَةَ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ مُقِيمًا فَارْجِعْ إلَيْهَا هُنَاكَ وَأَتْقِنْهَا. (وَهَذِهِ مَسَائِلُ لِلزِّيَادَاتِ) مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ أَمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَلَمَّا شَرَعَا شَكَّا فِي الْإِمَامِ اسْتَقْبَلَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَتَى فَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ وَجَازَتْ مِنْ وُجُوهٍ حُكِمَ بِفَسَادِهَا، وَإِمَامَةُ الْمُقْتَدِي مُفْسِدَةٌ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَدِيًا قَائِمٌ فَتَفْسُدُ عَلَيْهِمَا.

قِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا افْتَرَقَا عَنْ مَكَانِهِمَا، أَمَّا قَبْلَهُ فَيُجْعَلُ مَنْ عَنْ يَمِينِ الْآخَرِ مُقْتَدِيًا حَمْلًا عَلَى السُّنَّةِ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُقْتَدِي عَنْ الْيَمِينِ لَيْسَ شَرْطًا لِيُجْعَلَ دَلِيلًا، وَلَوْ لَمْ يَشُكَّا حَتَّى أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا فَخَرَجَ ثُمَّ أَحْدَثَ الْآخَرُ فَخَرَجَ ثُمَّ شَكَّا فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا لَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا لَمَّا خَرَجَ أَوَّلًا صَارَ مُقْتَدِيًا بِالْمُتَأَخِّرِ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ الثَّانِي خَلَا مَوْضِعُ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ إمَامٌ فَلَا تَعَلُّقَ لِصَلَاتِهِ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ لِيَلْزَمَ مِنْ فَسَادِ صَلَاةِ الْغَيْرِ فَسَادُهَا وَيُصَلِّي أَرْبَعًا مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيَجْلِسُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ إنْ كَانَ إمَامًا، وَعَلَى الْمُقِيمِ إنْ اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ وَتَحَوَّلَتْ إمَامَتُهُ إلَيْهِ، وَاحْتِمَالُ الِاقْتِدَاءِ ثَابِتٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ خُرُوجًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُتَقَدِّمِ فَاسِدَةٌ وَاحْتِمَالُ التَّقَدُّمِ ثَابِتٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا إنْ خَرَجَا مَعًا لِفَسَادِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي مِنْهُمَا لِخُلُوِّ مَكَانِ الْإِمَامِ وَاحْتِمَالُ الِاقْتِدَاءِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ.

وَلَوْ صَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ وَقَعَدَا وَلَمْ يُحْدِثَا ثُمَّ شَكَّا فِي الْإِمَامِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا بَلْ يَقُومُ الْمُقِيمُ وَيُتِمُّ أَرْبَعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>