للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ، وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى)

بَابٌ يَحْتَمِلُ جُزْءًا وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِكْثَارِ لِمَا نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يَنْسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ افْتِرَاضِهَا، وَمَنْشَأُ غَلَطِهِمْ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ، فَالْحُرْمَةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ وَصِحَّةِ الظُّهْرِ لِمَا سَنَذْكُرُ.

وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا فَرْضٌ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ وَبِإِكْفَارِ جَاحِدِهَا. وَلِوُجُوبِهَا شَرَائِطُ فِي الْمُصَلِّي: الْحُرِّيَّةُ، وَالذُّكُورَةُ وَالْإِقَامَةُ، وَالصِّحَّةُ، وَسَلَامَةُ الرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ. وَقَالَا: إذَا وَجَدَ الْأَعْمَى قَائِدًا لَزِمَتْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ بِنَفْسِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ قُدْرَةُ غَيْرِهِ كَالزَّمِنِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَحْمِلُهُ.

وَشَرَائِطُ فِي غَيْرِهِ: الْمِصْرُ، وَالْجَمَاعَةُ، وَالْخُطْبَةُ، وَالسُّلْطَانُ، وَالْوَقْتُ، وَالْإِذْنُ الْعَامُّ، حَتَّى لَوْ أَنَّ وَالِيًا أَغْلَقَ بَابَ بَلَدٍ وَجَمَعَ بِحَشَمِهِ وَخَدَمِهِ، وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ لَمْ تَجُزْ أَخْذًا مِنْ إشَارَةِ قَوْله تَعَالَى ﴿نُودِيَ لِلصَّلاةِ﴾ فَإِنَّهُ أَيْ تَشْهِيرٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ) أَعْنِي فِنَاءَهُ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ الدَّاخِلَ فِيهِ انْتَظَمَهُ اسْمُ الْمِصْرِ، وَفِنَاؤُهُ هُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ مُتَّصِلٌ بِهِ أَوْ مُنْفَصِلٌ بِغَلْوَةِ، كَذَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ، وَقِيلَ بِمِيلٍ، وَقِيلَ بِمِيلَيْنِ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَقِيلَ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْفِنَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَزْرَعَةٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَعْطَى اشْتِرَاطَ الْمُصَلَّى.

قَالَ الْمُصَنِّفُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>