للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِقَوْلِهِ «إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ» (وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِيه عَلَيْهَا) لِاخْتِلَافِهِمَا.

فَيَقَعُ التَّجَاذُبُ وَالتَّنَازُعُ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّقَاتُلِ.

وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أَقَامَ بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ وَاقِعَةُ حَالٍ، فَيَجُوزُ كَوْنُهُ عَنْ إذْنِهِ كَمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِفَرِيقٍ، فَيَبْقَى قَوْلُهُ «وَمَنْ تَرَكَهَا وَلَهُ إمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ، أَلَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ حَيْثُ اشْتَرَطَ فِي لُزُومِهَا الْإِمَامَ، كَمَا يُفِيدُهُ قَيْدُ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ حَالًا مَعَ مَا عَيَّنَّاهُ مِنْ الْمَعْنَى سَالِمِينَ مِنْ الْمُعَارِضِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرْبَعٌ إلَى السُّلْطَانِ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إطْلَاقَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاسْعَوْا﴾ مُقَيَّدٌ بِخُصُوصِ مَكَان وَمَخْصُوصٌ مِنْهُ كَثِيرٌ كَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِظَنِّيٍّ آخَرَ فَيُخَصُّ بِمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ «إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ» إلَخْ) وَرُوِيَ «أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ»، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ: شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَكَانَ خُطْبَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَذَكَرَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ نَحْوَهُ، قَالَ: فَمَا رَأَيْت أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ. لَوْ صَحَّ لَمْ يَقْدَحْ فِي خُصُوصِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ ابْنِ سِيدَانَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى مُرَكَّبَةٌ مِنْ صِحَّتِهَا وَقْتَ الظُّهْرِ لَا بَعْدَهُ، فَيُرَدُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَ دَلِيلًا لِتَمَامِهَا إذَا اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُمْ، أَوْ يَكُونُ فِيهِ إجْمَاعٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي جُزْءِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِبَقَاءِ وَقْتِهَا إلَى الْغُرُوبِ، وَالْحَنَابِلَةُ قَائِلُونَ بِجَوَازِ أَدَائِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ. وَيُجَابُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْجُمُعَةِ مَقَامُ الظُّهْرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ سُقُوطُ أَرْبَعٍ بِرَكْعَتَيْنِ فَتُرَاعَى الْخُصُوصِيَّاتُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا مَا لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهَا، وَلَمْ يُصَلِّهَا خَارِجَ الْوَقْتِ فِي عُمُرِهِ وَلَا بِدُونِ الْخُطْبَةِ فِيهِ فَيَثْبُتُ اشْتِرَاطُهُمَا وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ فِي الْوَقْتِ، حَتَّى لَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ لَا يَقَعُ الشَّرْطُ وَعَلَى اشْتِرَاطِ نَفْسِ الْخُطْبَةِ إجْمَاعٌ، بِخِلَافِ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةُ قَدْرِ مَا يَسْتَقِرُّ كُلُّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ يَحْمَدُ فِي الْأُولَى وَيَتَشَهَّدُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَعِظُ النَّاسَ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَدْعُو مَكَانَ الْوَعْظِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>