اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾.
(وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدِي الْمِنْبَرِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا هَذَا الْأَذَانُ، وَلِهَذَا قِيلَ: هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي الْخُطْبَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهَلْ يَحْمَدُ إذَا عَطَسَ؟ الصَّحِيحُ نَعَمْ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَكِنْ أَشَارَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِيَدِهِ حِينَ رَأَى مُنْكَرًا الصَّحِيحُ لَا يُكْرَهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَدِيثٍ يُسْمَعُ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ؛ فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ اخْتَارَ السُّكُوتَ، وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتِيَارُ السُّكُوتِ كَقَوْلِ ابْنِ سَلَمَةَ، وَحُكِيَ عَنْهُ النَّظَرُ فِي كِتَابِهِ وَإِصْلَاحُهُ بِالْقَلَمِ، مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَوْجَهُ.
فَإِنَّ طَلَبَ السُّكُوتِ وَالْإِنْصَاتِ وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِمَاعِ لَا لِذَاتِهِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ وَالْقِرَاءَةَ لِغَيْرِ مَنْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ قَدْ يَصِلُ إلَى أُذُنِ مَنْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَيَشْغَلُهُ عَنْ فَهْمِ مَا يَسْمَعُ أَوْ عَنْ السَّمَاعِ، بِخِلَافِ النَّظَرِ فِي الْكِتَابِ وَالْكِتَابَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا هَذَا الْأَذَانُ) أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: " كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ ﵁ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " زَادَ النِّدَاءَ الثَّانِي " وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ، وَتَسْمِيَتُهُ ثَالِثًا؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُسَمَّى أَذَانًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ»، وَهَذَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا هَذَا الْأَذَانُ بَعْضُ مَنْ نَفَى أَنَّ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةً، فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ ﷺ إذَا رَقَى الْمِنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أَخَذَ ﷺ فِي الْخُطْبَةِ، فَمَتَى كَانُوا يُصَلُّونَ السُّنَّةَ؟ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إذَا فُرِغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامُوا فَرَكَعُوا فَهُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ خُرُوجَهُ ﷺ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بَعْدَمَا كَانَ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ، وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ هَذَا الْمُجَوَّزِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ مِنْ عُمُومِ «أَنَّهُ كَانَ ﷺ يُصَلِّي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَرْبَعًا يَقُولُ: هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ».
وَكَذَا يَجِبُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَيْضًا يَعْلَمُونَ الزَّوَالَ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤَذِّنِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ اعْتِمَادُهُمْ، بَلْ رُبَّمَا يُعْلِمُونَهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيُؤَذِّنَ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute