وَاحِدٍ، فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ، وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. قَالَ ﵁: وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى السُّنَّةِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ مُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ ﷺ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ عَقِيبَ سُؤَالِهِ قَالَ: «هَلْ عَلَى غَيْرِهِنَّ؟ فَقَالَ: لَا إلَّا إنْ تَطَوَّعَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَتَسْمِيَتُهُ سُنَّةً لِوُجُوبِهِ بِالسُّنَّةِ.
(وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى وَيَغْتَسِلَ وَيَسْتَاكَ وَيَتَطَيَّبَ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ كَانَ يَطْعَمُ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى، وَكَانَ يَغْتَسِلُ فِي الْعِيدَيْنِ» وَلِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَيُسَنُّ فِيهِ الْغُسْلُ وَالطِّيبُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ)؛ لِأَنَّهُ
وَتَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ زِيَادَةً فِي الْبِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ مُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ ﷺ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَمَّا مُطْلَقُ الْمُوَاظَبَةِ فَلَا يُفِيدُ الْوُجُوبُ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّكْبِيرِ لَا صَلَاةِ الْعِيدِ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى التَّعْظِيمِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى خُصُوصِ لَفْظِهِ كَانَ التَّكْبِيرُ الْكَائِنُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ إيجَابِ شَيْءٍ فِي مَسْنُونٍ، بِمَعْنَى مَنْ فَعَلَ سُنَّةَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ.
نَعَمْ لَوْ وَجَبَ ابْتِدَاءً وَشُرِطَتْ الصَّلَاةُ فِي صِحَّتِهِ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْمَشْرُوطِ إيجَابُ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَكَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ شِعَارٌ لِلدِّينِ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ يُقَامُ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ فَتَجِبُ كَالْجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لِجَوَازِ اسْتِنَانِ شِعَارٍ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ تَعْدِيَةٌ غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ، إذْ حُكْمُ الْأَصْلِ الِافْتِرَاضُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ اللُّزُومُ فَيُصْبِحُ الْقِيَاسُ، وَكَوْنُهُ عَلَى خِلَافِ قَدْرِ ثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ قَادِحٍ بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِيمَا إذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ بِقَاطِعٍ، فَإِنَّهُ إذَا عَدَى بِالْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ) رِوَايَةً وَدِرَايَةً لِلْمُوَاظَبَةِ بِلَا تَرْكٍ، وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ إمَّا لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ فِيهَا أَوْ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِهَا.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَطْعَمَ) الْإِنْسَانُ، وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَطْعُومِ حُلْوًا لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ ﷺ لَا يَغْدُو فِي يَوْمِ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا» وَأَمَّا حَدِيثُ الْغُسْلِ لِلْعِيدَيْنِ فَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ، وَحَدِيثُ لُبْسِهِ جُبَّةَ فَنَكٍ أَوْ صُوفٍ غَرِيبٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ «أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَلْبَسُ بُرْدَ حِبَرَةٍ؟ فِي كُلِّ عِيدٍ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «كَانَ ﷺ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ» انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute