(وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَثَلَاثًا بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا، وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً يَرْكَعُ بِهَا) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَخَمْسًا بَعْدَهَا وَفِي الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْسًا ثُمَّ يَقْرَأُ. وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، وَظَهَرَ عَمَلُ الْعَامَّةِ الْيَوْمَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرِ بَنِيهِ الْخُلَفَاءِ. فَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَالْقَوْلُ
النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ التَّنَفُّلُ.
وَفِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا غَدَوْا إلَى مُصَلَّاهُمْ». وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُمْ قَدِمُوا آخِرَ النَّهَارِ. وَلَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالُوا «أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُفْطِرُوا وَأَنْ يَخْرُجُوا إلَى عِيدِهِمْ مِنْ الْغَدِ» قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ: وَبِهَذَا اللَّفْظِ حَسَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ إسْنَادَهُ، هَذَا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا أَنَّ لَفْظَ آخِرِ النَّهَارِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ وَقَبْلِهِ، فَأَمْرُهُ ﷺ إيَّاهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْغَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ بِدُخُولِ الزَّوَالِ؛ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِلْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ النَّهَارِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ، أَوْ يَكُونُ فِي تَعْيِينِ وَقْتِهَا هَذَا إجْمَاعٌ فَيُغْنِي عَنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ الدَّلِيلُ، وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ: حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَخْبَرَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ «أَنَّ الْهِلَالَ خَفِيَ عَلَى النَّاسِ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ بِالْفِطْرِ فَأَفْطَرُوا تِلْكَ السَّاعَةَ، وَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ».
(قَوْلُهُ: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا يُوَافِقُ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ وَمَا يُوَافِقُ رَأْيَنَا، وَكَذَا عَنْ الصَّحَابَةِ.
أَمَّا عَنْهُ ﷺ، فَفِي أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ ﷺ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى بِسَبْعٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِخَمْسٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالطُّرُقُ إلَيْهِمْ فَاسِدَةٌ، وَفِي أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ ﷺ التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ «وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ» قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ صَحِيحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute