(وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ (ثُمَّ يَخْطُبُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ» ثُمَّ هِيَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ
تَكْبِيرَةً»، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمْ يَزِدْ ﷺ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ» وَوَجْهُ الشُّذُوذِ أَنَّ فِعْلَهُ ﷺ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَاشْتَهَرَ نَقْلُهُ اشْتِهَارًا وَاسِعًا وَلَفَعَلَهُ عُمَرُ حِينَ اسْتَسْقَى وَلَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ؛ لِتَوَافُرِ الْكُلِّ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ ﷺ لِلِاسْتِسْقَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُنْكِرُوا وَلَمْ يَشْتَهِرْ رِوَايَتُهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي كَيْفِيَّتِهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ كَانَ ذَلِكَ شُذُوذًا فِيمَا حَضَرَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّذُوذَ يُرَادُ بِاعْتِبَارِ الطُّرُقِ إلَيْهِمْ، إذْ لَوْ تَيَقَّنَّا عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ رَفْعَهُ لَمْ يَبْقَ إشْكَالٌ، وَإِذَا مَشَيْنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجَوَازُ مَعَ عَدَمِ السُّنِّيَّةِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ ﷺ إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً كَمَا قُلْتُمْ فَقَدْ تَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَقَالَ ﷺ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا قَالَ أَنَسٌ ﵁: فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى بِالسَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ» الْحَدِيثَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هِيَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَعْنِي فَيَكُونُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ وَلِذَا قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا صَرِيحَ فِي الْمَرْوِيَّاتِ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّهَا خُطْبَتَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْمَرْوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ ﷺ صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» مَعَ رِوَايَةِ الْخُطْبَةِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ السَّابِقَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ فِيهِ «ثُمَّ خَطَبَنَا وَدَعَا اللَّهَ» فَتَكُونُ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، ثُمَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
قَوْلُهُ: فَلَمْ يَخْطُبْ بِخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْخُطْبَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ لَا أَصْلِ الْخُطْبَةِ، فَإِنَّ النَّفْيَ إذَا دَخَلَ عَلَى مُقَيَّدٍ انْصَرَفَ إلَى الْقَيْدِ ثُمَّ أَفَادَ ثُبُوتَ أَصْلِ الْحُكْمِ فِي الْمُحَاوَرَاتِ الْخَطَابِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَنَا، وَمُطْلَقًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَلِذَا لَمْ يَنْتَهِضْ. اسْتَدَلَّ مَنْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى نَفْيِ الْخُطْبَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ يَنْفِيهَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵄.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا فَحَاصِلُهُ نَفْيُ الْخُطْبَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ أَصْلِهَا نَفْيًا لِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَبْقَى عَلَى الْعَدَمِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهَا رُوِيَتْ وَلَا بُدَّ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ إذْ كَانَ يَنْفِيهَا أَنْ يَحْكُمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَارِدِ فِيهَا فَيَنْتَفِي الدَّلِيلُ وَنَفْيُ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ يَكْفِي لِنَفْيِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْخُطْبَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ دَلَّ، فَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَدْ سَكَتَ عَنْهُ الْحَاكِمُ وَسُكُوتُهُ يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ عِنْدَهُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أُعِلَّ بِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: هُوَ صَدُوقٌ وَلَكِنْ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَثِيرٌ اهـ. فَلَا يَحْتَمِلُ التَّفَرُّدَ مَعَ هَذَا وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ «خَرَجَ ﷺ يَسْتَسْقِي فَبَدَأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute