للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». وَلَنَا قَوْلُهُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» وَبِهَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ، ثُمَّ هَذَا

قَالَ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» فَإِنْ عُوِّلَ فِي الْجَوَابِ عَلَى النَّسْخِ مَعَ مَا دُفِعَ بِهِ مِنْ أَنَّ النَّاسِخَ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِيهِ تَارِيخٌ أَيْضًا، فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يُقَدَّمُ الْمُوجِبُ، فَإِذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ لَا يَبْقَى حُكْمٌ آخَرُ بِخُصُوصِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ، وَكَذَا إنْ عُوِّلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا؟ فَقَالَ لَا، وَلَكِنَّهُ طَهُورٌ، وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدْءُ الْغُسْلِ: كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى صَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ حَتَّى آذَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ تِلْكَ الرِّيَاحَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا، وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَمْثَلَ مَا يَجِدُهُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ».

وَإِنْ عُوِّلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ النَّدْبُ وَبِالْوُجُوبِ الثُّبُوتُ شَرْعًا عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ بِالْقَرِينَةِ الْمُنْفَصِلَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ «وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» فَدَلِيلُ النَّدْبِ يُثْبِتُ الِاسْتِحْبَابَ، إذْ لَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ مِنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لَازِمُ النَّدْبِ، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهِ بَاقِي الِاغْتِسَالِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ. وَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ» وَعَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ «أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ» فَضَعِيفَانِ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَأَمَّا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» فَوَاقِعَةُ حَالٍ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمُوَاظَبَةَ، فَاللَّازِمُ الِاسْتِحْبَابُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إهْلَالُهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ لَفْظُهُ كُلَّ إهْلَالٍ صَدَرَ مِنْهُ فَيُثْبِتُ سُنِّيَّةَ هَذَا الْغُسْلِ، هَذَا وَمِنْ الْأَغْسَالِ الْمَنْدُوبَةِ: الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ ، وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَلِلْحِجَامَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَلِلَيْلَةِ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا، وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ، وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْغَايَةِ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ.

قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: بِذَلِكَ أَمَرَ مَنْ جَاءَهُ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، وَظَاهِرُهُ وَكَذَا وَاقِعَةُ ابْنِ أُثَالٍ تُفِيدُ أَنَّ الْغُسْلَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِلْإِسْلَامِ، وَيَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِسُنَّتَيْ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ إذَا اجْتَمَعَا كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ.

وَبَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ نَقَلَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ مِنْهُمَا أَوْ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْ السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>