(وَمَنْ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ» وَلِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ دَلَالَةُ الْحَيَاةِ فَتَحَقَّقَ فِي حَقِّهِ سُنَّةُ الْمَوْتَى (وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ)
وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ فِي سَنَدِهِ إسْمَاعِيلُ الْغَنَوِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ لَا يَسْتَلْزِمُ إدْخَالَهُ الْمَسْجِدَ لِجَوَازِ أَنْ يُوضَعَ خَارِجَهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ فِيهِ إذَا كَانَ عِنْدَ بَابِهِ مَوْضِعٌ لِذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا أَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: رَأَى أَبِي رِجَالًا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ وَاَللَّهِ مَا صُلِّيَ عَلَى أَبِي إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَتَأَمَّلْهُ. وَهُوَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ " وَلَوْ سَلِمَ فَيَجُوزُ كَوْنُهُمْ انْحَطُّوا إلَى الْأَمْرِ الْجَائِزِ لِكَوْنِ دَفْنِهِمْ كَانَ بِحِذَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَكَانِ الْمَسْجِدِ مُحِيطٌ بِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْوَجْهِ قَاطِعٌ فِي أَنَّ سُنَّتَهُ وَطَرِيقَتَهُ الْمُسْتَمِرَّةَ لَمْ تَكُنْ إدْخَالَ الْمَوْتَى الْمَسْجِدَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا تَكُونُ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ تَكُونُ عَلَى أَكْثَرَ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ إنْ شَاءَ اسْتَأْنَفَ لِكُلِّ مَيِّتٍ صَلَاةً وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ الْكُلَّ وَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً، وَهُوَ فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِهِمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ وَضَعَهُمْ بِالطُّولِ سَطْرًا وَاحِدًا وَيَقُومُ عِنْدَ أَفْضَلِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَهُمْ وَاحِدًا وَرَاءَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ.
وَتَرْتِيبُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَلْفَهُ حَالَةَ الْحَيَاةِ فَيُقَرَّبُ مِنْهُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ وَيُبْعَدُ عَنْهُ الْمَفْضُولُ فَالْمَفْضُولُ، وَكُلُّ مَنْ بَعُدَ مِنْهُ كَانَ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَقْرَبَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ جُعِلَ الرَّجُلُ إلَى جِهَةِ الْإِمَامِ وَالصَّبِيُّ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَرَاءَهُ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمَا خُنْثَى جُعِلَ خَلْفَ الصَّبِيِّ؛ فَيُصَفُّ الرِّجَالُ إلَى جِهَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ الصِّبْيَانُ وَرَاءَهُمْ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ الْمُرَاهِقَاتُ، وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ رِجَالًا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُوضَعُ أَفْضَلُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَحْسَنُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْفَضْلِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَلَوْ اجْتَمَعَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَالْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ الْحُرِّ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْعَبْدُ أَصْلَحَ قُدِّمَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَوَضْعُهُمْ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَفِي الرَّجُلَيْنِ يُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمَا قُرْآنًا وَعِلْمًا كَمَا فَعَلَ ﷺ فِي قَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا وُضِعُوا لِلصَّلَاةِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى الْقِبْلَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُجْعَلُ رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ أَسْفَلَ مِنْ رَأْسِ صَاحِبِهِ هَكَذَا دَرْجًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَصَاحِبَيْهِ دُفِنُوا هَكَذَا وَالْوَضْعُ لِلصَّلَاةِ كَذَلِكَ. قَالَ: وَإِنْ وَضَعُوا رَأْسَ كُلٍّ بِحِذَاءِ رَأْسِ الْآخَرِ فَحَسَنٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الْفَضْلِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَفَاوُتٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْمُحَاذَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي سُقُوطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ جَمَاعَةٌ: وَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ عَلَى طَهَارَةٍ وَظَهَرَ لِلْمَأْمُومِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ صَحَّتْ، وَلَا يُعِيدُونَ لِلِاكْتِفَاءِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَهَلَّ إلَخْ) الِاسْتِهْلَالُ: أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ حَرَكَةِ كُلِّ عُضْوٍ أَوْ رَفْعِ صَوْتٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ أَكْثَرِهِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَفِي الْأَقَلِّ لَا، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute