وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْعَفْوَ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا نَصَّ هُنَا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، ثُمَّ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا النِّصَابِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ عَقْدَيْنِ وَقْصٌ، وَفِي كُلِّ عَقْدٍ وَاجِبٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ ﵊ لِمُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرُوهُ بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ. قُلْنَا: قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الصِّغَارُ
يُعْلَمْ عَدَمُ اللُّقِيِّ.
وَأَمَّا عَلَى مَا شَرَطَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ مِنْ الْعِلْمِ بِاجْتِمَاعِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً فَكَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَالْحَقُّ خِلَافُهُ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا وَجَّهَهُ ابْنُ حَزْمٍ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: هَذِهِ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنْ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ كَقَوْلِهِمَا. وَجْهُ الْأُولَى عَدَمُ الْمُسْقِطِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُخَلَّى الْمَالُ عَنْ شُكْرِ نِعْمَتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ النِّصَابَ.
وَجْهُ هَذِهِ مَنْعُهُ بَلْ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قَالُوا فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهَا بِشَيْءٍ. وَسَأَسْأَلُهُ إذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَأَلَهُ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى أَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ. وَفِي السَّنَدِ ضَعْفٌ.
وَفِي الْمِنَنِ أَنَّهُ رَجَعَ فَوَجَدَهُ ﵊ حَيًّا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَفِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ. وَفِيهِ أَعْنِي مُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ حَدِيثٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا» وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَسَلَمَةُ بْنُ أُسَامَةَ وَيَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ غَيْرُ مَشْهُورَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يُدْرِكْهُ ﵊ حَيًّا.
فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ " وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا. وَأَخْرَجَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا جَمِيلًا حَلِيمًا سَمْحًا مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ يُمْسِكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ حَتَّى أَغْرَقَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ، فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ عَنْهُمْ أَيَّامًا فِي بَيْتِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَجَاءَ مَعَهُ غُرَمَاؤُهُ " فَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ " فَبَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْبُرَك وَيُؤَدِّيَ عَنْك دَيْنَك، فَخَرَجَ مُعَاذٌ إلَى الْيَمَنِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ رَجَعَ مُعَاذٌ " الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى «أَنَّهُ قَدِمَ فَسَجَدَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: يَا مُعَاذُ مَا هَذَا؟ قَالَ: وَجَدْتُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالْيَمَنِ يَسْجُدُونَ لِعُظَمَائِهِمْ وَقَالُوا هَذَا تَحِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ ﵊: كَذَبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، لَوْ كُنْتُ آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» وَفِي هَذَا أَنَّ مُعَاذًا أَدْرَكَهُ ﵊ حَيًّا (قَوْلُهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصِّغَارُ) فَتَعَارَضَ التَّفْسِيرَانِ، فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالشَّكِّ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ خِلَافَ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute