للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ (وَكَذَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي رِوَايَةٍ) وَعَنْهُ الْوُجُوبُ فِيهَا

إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ مَا عَلِمْتُ أَنَّ فَرَسًا يَبْلُغُ هَذَا فَنَأْخُذُ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً وَلَا نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا، خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَقَرَّرَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا دِينَارًا.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُصْدِقُ الْخَيْلَ، وَأَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنْ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَنَّ صَدَقَةَ الْخَيْلِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا، إنْ شِئْت فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت فَالْقِيمَةَ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ فَرَسٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَقَدْ ثَبَتَ أَصْلُهَا عَلَى الْإِجْمَالِ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاجِبِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَثَبَتَتْ الْكَمِّيَّةُ، وَتَحَقَّقَ الْأَخْذُ فِي زَمَنِ الْخَلِيفَتَيْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ بَعْدَ اعْتِرَافِ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ وَلَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ فَقَالُوا: إنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُهُ أَنَا ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا حَسَنٌ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَك، فَأَخَذَ مِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ السَّنَدِ وَالْقِصَّةِ.

وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَفِي هَذَا أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فَاسْتَحْسَنُوهُ، وَكَذَا اسْتَحْسَنَهُ عَلِيٌّ بِشَرْطٍ شَرَطَهُ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤْخَذُونَ بِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ قُلْنَا بِمُقْتَضَاهُ إذْ قُلْنَا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةَ سَائِمَةِ الْخَيْلِ جَبْرًا، فَإِنَّ أَخْذَ الْإِمَامِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُؤْخَذُونَ بِهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْسَانُهُ مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يَتَبَرَّعُوا بِهَا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وَهَذَا حِينَئِذٍ فَوْقَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.

فَإِنْ قِيلَ: اسْتِحْسَانُهُمْ إنَّمَا هُوَ لِقَبُولِهَا مِنْهُمْ إذَا تَبَرَّعُوا بِهَا وَصَرَفَهَا إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ لَا لِلْإِيجَابِ. قُلْنَا رِوَايَةٌ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا مُرَتَّبًا عَلَى اسْتِحْسَانِهِمْ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ لِيَعْلَى: خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا فَقَرَّرَ عَلَى كُلٍّ دِينَارًا يُوجِبُ خِلَافَ مَا قُلْت، وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَبْدَأُ اجْتِهَادِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ رَأَوْا أَنَّ مَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ مَانِعِي الزَّكَاةِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ حَيْثُ أَثْبَتَ فِي رِقَابِهَا حَقًّا لِلَّهِ، وَرَتَّبَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ كَوْنَهَا لَهُ حِينَئِذٍ سِتْرًا يَعْنِي مِنْ النَّارِ، هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ كَقَوْلِهِ فِي عَائِلِ الْبَنَاتِ «كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْمُرَادِ سِتْرًا فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى ظُهُورِ النِّعْمَةِ، إذْ لَا مَعْنَى لِتَرْتِيبِ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ نِسْيَانِ حَقِّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا فَإِنَّهُ ثَابِتٌ، وَإِنْ نَسِيَ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ أَخْذِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَصْحَابُ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلْ أَهْلُ الْإِبِلِ، وَمَا تَقَدَّمَ إذْ أَصْحَابُ هَذِهِ إنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْمَدَائِنِ وَالدَّشْتِ وَالتَّرَاكِمَةِ، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ بِلَادُهُمْ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَعَلَّ مَلْحَظَهُمْ فِي خُصُوصِ تَقْدِيرِ الْوَاجِبِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ «فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ» كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى طَرِيقِهِمْ إلَّا عَدَمُهَا ظَاهِرًا دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ، عَلَى أَنَّ الْفَحْصَ عَنْ مَأْخَذِهِمْ لَا يَلْزَمُنَا إذْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا إلَخْ) فِي كُلٍّ مِنْ الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ، وَالرَّاجِحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>