يَجِبُ فِي الْمَهَازِيلِ وَاحِدٌ مِنْهَا وَوَجْهُ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ امْتَنَعَ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ الْمَسَانِّ
قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْأَخِيرِ) أَيْ مِنْ أَقَاوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ، فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ امْتَنَعَ أَصْلًا.
وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ لَا مُطْلَقًا بَلْ ذَاتُ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ الثَّنِيَّةِ وَالتَّبِيعِ وَبِنْتِ الْمَخَاضِ مَثَلًا وَلَمْ يُوجَدْ فَتَعَذَّرَ الْإِيجَابُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الصِّغَارَ أَصْلًا، فَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ يُعْطَى فِي الزَّكَاةِ: سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ إيجَابَ الْأَسْنَانِ الْمُعَيَّنَةِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى وُجُودِهَا فِي الْمُوجَبِ فِيهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةً، وَلَيْسَتْ فِيهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ إيجَابُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مِلْكَهَا بِطَرِيقِهِ وَيَدْفَعَهَا، فَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مِلْكَ مُسِنَّةٍ وَيَدْفَعَهَا.
قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فِي عَهْدِي: يَعْنِي فِي كِتَابِي أَنْ لَا آخُذَ رَاضِعَ لَبَنٍ» الْحَدِيثَ دَلَّ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى عَدَمِ أَخْذِهَا مُطْلَقًا، وَبِالِالْتِزَامِ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي الصِّغَارِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، إذْ لَوْ كَانَ لَأَخَذْت الرَّاضِعَ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ لَا يُعَارِضُهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَنَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخْذَ مِنْ الصِّغَارِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ الْمُرْتَدِفِينَ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ أَنَّ الْعَنَاقَ يُقَالُ عَلَى الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ وَلَوْ مَجَازًا، فَارْجِعْ إلَيْهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ، وَلَوْ سَلِمَ جَازَ أَخْذُهَا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ نَفْسُ الْوَاجِبِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ أَوْ هُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ لَا التَّحْقِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عِقَالًا مَكَانَ الْعَنَاقِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ الْكَرَائِمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ لِمُعَاذٍ «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَرُوِيَ مَعْنَاهُ كَثِيرًا حَتَّى صَارَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الزَّكَاةِ وَمُنَاقِضٌ لِمَا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ فِي أُصُولِ الزَّكَوَاتِ مِنْ كَوْنِ الْوَاجِبِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَرُبَّمَا نَأْتِي الْمُسِنَّةَ عَلَى غَالِبِ الْحُمْلَانِ أَوْ كُلِّهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَيَكُونُ هَذَا إيجَابُ إخْرَاجِ كُلِّ الْمَالِ مَعْنَى وَهُوَ مَعْلُومُ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةَ الْمَالِ فَإِنَّ إضَافَةَ اسْمِ زَكَاةِ الْمَالِ يَأْبَى كَوْنَهُ إخْرَاجَ الْكُلِّ.
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَرَائِمِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ يَلْزَمُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لُزُومَ إخْرَاجِ الْكُلِّ مَعْنًى مُنْتَفٍ لَكِنَّ ثُبُوتَ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ، فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي صُورَةِ وُجُودِ مُسِنَّةٍ مَعَ الْحُمْلَانِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ: أَعْنِي مَا قَدَّمْنَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute