أَوْ أَخَذَ دُونَهَا) وَأَخَذَ الْفَضْلَ، وَهَذَا يَبْتَنِي عَلَى أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ
الْخِيَارَ فِي أَخْذِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ أَوْ الْأَدْنَى وَإِعْطَاءِ الْفَضْلِ لِلْمُصَدِّقِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَطْ. وَأَطْلَقَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ إذْ الْخِيَارُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ مَعَ تَحَقُّقِ قَوْلِهِمْ يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِ الْأَدْنَى مَعَ الْفَضْلِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ، لِأَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ بَيْعَ الْفَضْلِ مِنْ الْمُصَدِّقِ، وَمَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى التَّرَاضِي لَا الْجَبْرِ وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْأَعْلَى، إذْ مَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا لَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَعْطِ مَا شِئْت أَعْلَى أَوْ أَدْنَى، فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْأَعْلَى لَمْ يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَيْهِ فِيهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ لَوْ طَلَبَ السَّاعِي مِنْهُ الْأَعْلَى فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ يُعْطِيَ الْأَدْنَى. وَقَوْلُهُ وَأَعْطَى الْفَضْلَ وَأَخَذَ الْفَضْلَ مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ غَلَاءً وَرُخْصًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةٍ لِمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصِّدِّيقِ مِنْ أَنَّهُ إذْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أَعْطَى إمَّا بِنْتَ لَبُونٍ وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةً أَوْ ابْنَ لَبُونٍ لَيْسَ غَيْرُ. قُلْنَا: هَذَا كَانَ قِيمَةَ التَّفَاوُتِ فِي زَمَانِهِمْ وَابْنُ اللَّبُونِ يَعْدِلُ بِنْتَ الْمَخَاضِ، إذْ ذَاكَ جَعْلًا لِزِيَادَةِ السِّنِّ مُقَابَلًا بِزِيَادَةِ الْأُنُوثَةِ، فَإِذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ الْإِيجَابِ مَعْنًى بِأَنْ تَكُونَ الشَّاتَانِ أَوْ الْعِشْرُونَ الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُصَدِّقِ تُسَاوِي السِّنَّ الَّذِي يُعْطِيهِ خُصُوصًا إذَا فَرَضْنَا الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَهَازِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ الشَّاتَيْنِ تُسَاوَيَانِ بِنْتَ لَبُونٍ مَهْزُولَةٍ جِدًّا فَإِعْطَاؤُهَا فِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ اسْتِرْدَادِ شَاتَيْنِ إخْلَاءٌ مَعْنًى أَوْ الْإِجْحَافُ بِرَبِّ الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الدَّافِعُ لِلْأَدْنَى، وَكُلٌّ مِنْ اللَّازِمَيْنِ مُنْتَفٍ شَرْعًا فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُمَا وَهُوَ تَعَيُّنُ الْجَابِرِ.
[فُرُوعٌ]
عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً فَهَلَكَ مِنْ بَقِيَّةِ النِّصَابِ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ يُمْسِكُ السَّاعِي مِنْ الْمُعَجَّلِ قَدْرَ تَبِيعٍ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ وَيُعْطِيَهُ مِمَّا عِنْدَهُ تَبِيعًا لِأَنَّ قَدْرَ التَّبِيعِ مِنْ الْمُسِنَّةِ صَارَ زَكَاةً حَقًّا لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُسْتَرَدُّ، وَمِثْلُهُ فِي تَعْجِيلِ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إذَا انْتَقَصَ الْبَاقِي وَاحِدَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ أَمْسَكَ السَّاعِي قَدْرَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ.
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا وَيُطَالَبُ بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ لِأَنَّهُ فِي إمْسَاكِ الْبَعْضِ وَرَدِّ الْبَعْضِ ضَرَرُ التَّشْقِيصِ بِالشَّرِكَةِ. وَقِيَاسُ هَذِهِ فِي الْبَقَرَةِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ إذْ لَا شَرِكَةَ بَعْدَ دَفْعِ قِيمَةِ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْمُعَجَّلَ أَمْسَكَ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ التَّبِيعِ وَالْأَرْبَعِ شِيَاهٍ وَرَدَّ الْبَاقِيَ. وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَتْ الْأَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ فَحَقُّ السَّاعِي فِي تَبِيعَيْنِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُ الْمُسِنَّةِ بَلْ يُكَمِّلُ الْفَضْلَ لِلسَّاعِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمُسِنَّةَ وَيَأْخُذُ تَبِيعًا، لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْغَلَطِ يُعْدِمُ الرِّضَا أَمَّا هُنَاكَ فَدَفَعَ عَنْ رِضًا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَصِيرَ زَكَاةً، وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الِاحْتِمَالَ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْغَلَطُ حَتَّى تَصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا كَرْهًا عَلَى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute