وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ فِيمَا يُصَدَّقُ فِي السَّوَائِمِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ إخْرَاجَ الْبَرَاءَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى، وَلِصِدْقِ دَعْوَاهُ عَلَامَةٌ فَيَجِبُ إبْرَازُهَا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَامَةً.
قَالَ (وَمَا صُدِّقَ فِيهِ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ فِيهِ الذِّمِّيُّ)؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَتُرَاعَى تِلْكَ الشَّرَائِطُ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ
تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ فِيمَا يَصْدُقُ إلَخْ) أَطْلَقَ فِيمَا يَصْدُقُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي الْأَصْلِ إخْرَاجَهَا فِي قَوْلِهِ: أُدِّيَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ وَأَخَوَاتِهَا لَكِنَّهُ اعْتَمَدَ فِي تَقْيِيدِهِ عَلَى عَدَمِ تَأَتِّي صِحَّتِهِ، إذْ لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْفُقَرَاءِ بَرَاءَةً وَلَا مِنْ الدَّائِنِ. وَلَا تُمْكِنُ فِي قَوْلِهِ: أَصَبْتُهُ مُنْذُ شَهْرٍ.
وَتَأْخِيرُ الْمُصَنِّفِ وَجْهَ الْأَوَّلِ يُفِيدُ تَرَجُّحَهُ عِنْدَهُ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِهِ عَلَامَةً إذْ لَا يَلْزَمُ الِانْتِقَالُ مِنْهُ إلَى الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ دُفِعَ إلَى الْعَاشِرِ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يَنْطِقُ وَهُوَ مُتَشَابِهٌ، ثُمَّ هَلْ يُشْتَرَطُ الْيَمِينُ مَعَ الْبَرَاءَةِ عَلَى قَوْلِ مُشْتَرِطِهَا؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ. قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَصْدُقْ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصْدُقْ.
وَلَا يَخْفَى بَعْدَ قَوْلِهِمَا إنْ كَانَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِحَسَبِ ظَاهِرِ حَالِ الْمُتَدَيِّنِ أَدَلُّ مِنْ الْخَطِّ فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَرْكُهَا إلَيْهَا، وَلْيَذْكُرْ هُنَا قَوْلَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: وَالِاسْتِخْبَارُ فَوْقَ التَّحَرِّي بَيَانًا لِلُزُومِهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ وَاجِبٌ عِنْدَ انْعِدَامِ دَلِيلٍ فَوْقَهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعِيَّ لِأَنَّ الِاسْتِخْبَارَ لَا يُفِيدُ قَطْعًا.
(قَوْلُهُ فَتُرَاعَى تِلْكَ الشَّرَائِطُ) مِنْ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَالْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَوْنُهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزَّكَاةِ كَصَدَقَةِ بَنِي تَغْلِبَ تَحْقِيقًا لِلتَّضْعِيفِ، فَإِنَّ تَضْعِيفَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ وَإِلَّا كَانَ تَبْدِيلًا، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ أَيُّ دَاعٍ إلَى اعْتِبَارِهِ تَضْعِيفًا لَا ابْتِدَاءَ وَظِيفَةٍ عِنْدَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ، وَبَنُو تَغْلِبَ رَوْعِي فِيهِمْ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي صَخْرٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ إلَى عَيْنِ التَّمْرِ مُصَدِّقًا، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا بِهَا لِلتِّجَارَةِ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute