وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَالصَّيْدِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ كُلُّهُ وَالْحَوْلُ
مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ الْغَنِيمَةِ عَلَى هَذَا الْمَالِ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ مَحَلِّهِ مِنْ الْأَرْضِ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ، وَقَدْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَكَانَ غَنِيمَةً، كَمَا أَنَّ مَحَلَّهُ أَعْنِي الْأَرْضَ كَذَلِكَ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ ﵊ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ».
أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ، وَالرِّكَازُ يَعُمُّ الْمَعْدِنَ وَالْكَنْزَ عَلَى مَا حَقَقْنَاهُ فَكَانَ إيجَابًا فِيهِمَا، وَلَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ إرَادَةِ الْمَعْدِنِ بِسَبَبِ عَطْفِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّهُ جُبَارٌ: أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ وَإِلَّا لَتَنَاقَضَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَعْدِنِ لَيْسَ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فِي ضِمْنِ الرِّكَازِ لِيَخْتَلِفَ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، إذًا الْمُرَادُ أَنَّ إهْلَاكَهُ أَوْ الْهَلَاكَ بِهِ لِلْأَجِيرِ الْحَافِرِ لَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، لَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ نَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي كَمِّيَّتِهِ لَا فِي أَصْلِهِ، وَكَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْبِئْرِ وَالْعَجْمَاءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْمَعْدِنِ بِخُصُوصِهِ حُكْمًا فَنَصَّ عَلَى خُصُوصِ اسْمِهِ ثُمَّ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمًا آخَرَ مَعَ غَيْرِهِ فَعَبَّرَ بِالِاسْمِ الَّذِي يَعُمُّهُمَا لِيَثْبُتَ فِيهَا فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ: أَعْنِي وُجُوبَ الْخُمُسِ بِمَا يُسَمَّى رِكَازًا، فَمَا كَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَجَبَ فِيهِ، وَلَوْ فُرِضَ مَجَازًا فِي الْمَعْدِنِ وَجَبَ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ تَعْمِيمُهُ لِعَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ انْدِرَاجِهِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ عَدَمِ مَا يَقْوَى عَلَى مُعَارِضَتِهِمَا فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ الْأَرْضُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ، فَهُوَ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فِي الْإِمَامِ مُضَعَّفٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. وَفِي الْإِمَامِ أَيْضًا أَنَّهُ ﵊ قَالَ «فِي السُّيُوبِ الْخُمُسُ» وَالسُّيُوبُ: عُرُوقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمُرَادِ بِالرِّكَازِ كَمَا ظَنُّوا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ خَصَّ الذَّهَبَ، وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ لَا يَخُصُّهُ فَإِنَّمَا نَبَّهَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ مِثْلَهُ فِي أَنَّهُ جَامِدٌ مُنْطَبِعٌ، وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ الرِّكَازِ بَلْ السُّيُوبُ، فَإِذَا كَانَتْ السُّيُوبُ تَخُصُّ النَّقْدَيْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَصِّصٍ لِلْعَامِّ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَعَلَى الْكَنْزِ الْجَاهِلِيِّ بِجَامِعِ ثُبُوتِ مَعْنَى الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْمَأْخُوذِ بِعَيْنِهِ قَهْرًا فَيَجِبُ ثُبُوتُ حُكْمِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ وُجُوبُ الْخُمُسِ لِوُجُودِهِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ أُخِذَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ، وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ ﵊ «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَخْرَجِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى خُرُوجِ الْكَنْزِ الْجَاهِلِيِّ مِنْ عُمُومِ الْفِضَّةِ (قَوْلُهُ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ) قَيَّدَ بِهِ لِيُخْرِجَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، لَكِنْ وَرَدَ عَلَيْهِ الْأَرْضُ الَّتِي لَا وَظِيفَةَ فِيهَا كَالْمَفَازَةِ، إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُجْعَلَ ذَلِكَ لِقَصْدِ الِاحْتِرَاسِ بَلْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ وَظِيفَتَهُمَا الْمُسْتَمِرَّةَ لَا تَمْنَعُ الْأَخْذَ مِمَّا يُوجَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute