عُرِفَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀: أَنَّ فِيمَا اشْتَرَاهُ التَّغْلِبِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ عُشْرًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ
قَدْرَ الْمُؤْنَةِ بِمَنْزِلَةِ السَّالِمِ بِعِوَضٍ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ سُلِّمَ لَهُ قَدْرُ مَا غَرِمَ مِنْ نُقْصَانِ الْأَرْضِ وَطَابَ لَهُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ. وَلَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «فِيمَا سُقِيَ سَيْحًا» إلَخْ حُكْمٌ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ، فَلَوْ رُفِعَتْ الْمُؤْنَةُ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا وَهُوَ الْعُشْرُ دَائِمًا فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ إلَى نِصْفِهِ إلَّا لِلْمُؤْنَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ رَفْعِ قَدْرِ الْمُؤْنَةِ لَا مُؤْنَةَ فِيهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ دَائِمًا الْعُشْرَ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ قَدْ تَفَاوَتَ شَرْعًا مَرَّةً الْعُشْرُ وَمَرَّةً نِصْفُهُ بِسَبَبِ الْمُؤْنَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا عَدَمُ عَشْرِ بَعْضِ الْخَارِجِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُسَاوِي لِلْمُؤْنَةِ أَصْلًا.
وَفِي النِّهَايَةِ مَا حَاصِلُهُ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى اتِّحَادِ الْوَاجِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمُؤْنَةِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ شَرْعًا فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ، وَهُوَ عَدَمُ تَعْشِيرِ الْبَعْضِ الْمُسَاوِي لِقَدْرِ الْمُؤْنَةِ. بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْخَارِجَ مَثَلًا أَرْبَعُونَ قَفِيزًا فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَاسْتُحِقَّ قِيمَةُ قَفِيزَيْنِ لِلْعُمَّالِ وَالثِّيرَانِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْفِزَةٍ اعْتِبَارُ الْمَجْمُوعِ الْخَارِجِ، وَعَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ قَفِيزَانِ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ الْمُؤْنَةَ مِنْ الْخَارِجِ لَا يَجِبُ فِي قَدْرِ مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَلَوْ فُرِضَ إخْرَاجُ أَرْبَعِينَ قَفِيزًا فِيمَا سُقِيَ بِدَالِيَةٍ أَوْ غَرْبٍ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قَفِيزَانِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَلْزَمُ اتِّحَادُ الْوَاجِبِ فِيمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ، وَفِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ وَهُوَ خِلَافُ حُكْمِ الشَّرْعِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُقَابِلُ الْمُؤْنَةَ لَا يُعْشَرُ وَيُعْشَرُ الْبَاقِي، فَيُعْشَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَهَا فِي النِّهَايَةِ أَوَّلًا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ قَفِيزًا لِأَنَّ الْقَفِيزَيْنِ الْأَخِيرِينَ اُسْتُغْرِقَا فِي الْمُؤْنَةِ فَلَا يُعْشَرَانِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ إلَّا خُمُسَ قَفِيزٍ، وَهَذَا التَّصْوِيرُ الْمَذْكُورُ فِي النِّهَايَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ يُرْفَعُ قَدْرُ الْمُؤْنَةِ وَهُوَ الْقَفِيزَانِ مِنْ نَفْسِ عُشْرِ جَمِيعِ الْخَارِجِ حَتَّى يَصِيرَ الْوَاجِبُ قَفِيزَيْنِ، فَأَسْقَطُوا عُشْرَ عِشْرِينَ قَفِيزًا، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْهُمْ، نَعَمْ إنْ كَانَ قَوْلُهُمْ فِي الْوَاقِعِ هُوَ هَذَا فَذَلِكَ دَفْعُهُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَالتَّصْوِيرُ الصَّحِيحُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَهَا أَنْ تَسْتَغْرِقَ الْمُؤْنَةُ عِشْرِينَ قَفِيزًا
(قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ إلَخْ) ضَبْطُ هَذَا الْفَصْلِ عَلَى تَمَامِهِ أَنَّ الْأَرْضَ إمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute