(إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا الْإِنْسَانُ إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ: أَوْ زِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ، وَلَوْ نَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ بِالنَّصِّ.
فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَكَانُ الرَّأْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مُرَاعَاةً لِإِيجَابِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ وُجُودِ سَبَبِهِ، قَالُوا: الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِهَا أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَانِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ ثُمَّ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَرَاهَةِ النَّقْلِ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الْقِيَمِ مِنْ قَوْلِ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ، وَيَجِبُ كَوْنُ مَحْمَلِهِ كَوْنَ مَنْ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجُ أَوْ ذَلِكَ مَا يَفْضُلُ بَعْدَ إعْطَاءِ فُقَرَائِهِمْ، وَأَمَّا النَّقْلُ لِلْقَرَابَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ زِيَادَةً عَلَى قُرْبَةِ الزَّكَاةِ، هَذَا وَيُنَاسِبُ إيلَاءَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا تَكْمِيلًا لِلْوَضْعِ، تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ بِالنَّذْرِ فَإِنْ عَيَّنَ دِرْهَمًا أَوْ فَقِيرًا بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ لَمْ يَلْزَمْ، فَلَوْ تَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُبْزِ كَذَا وَكَذَا فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ غَيْرُهَا وَلَوْ لَمْ تَهْلَكْ فَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهَا جَازَ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَنْفَعَةٍ تَصِلُ إلَيَّ مِنْ مَالِكَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَا مَلَكَهُ لَا بِمَا أَبَاحَهُ كَطَعَامٍ أُذِنَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ لَا يَدْخُلُ مَا لَهُ مِنْ الدُّيُونِ عَلَى النَّاسِ وَدَخَلَ مَا سِوَاهَا.
وَهَلْ يَتَقَيَّدُ بِمَالِ الزَّكَاةِ نَذْكُرُهُ فِي آخَرِ كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا فَعَلَيَّ زَكَاتُهُ لِكُلِّ مِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى خَمْسَةٍ إذَا رُزِقَهُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ فَفَعَلَهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً مَثَلًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّصَدُّقُ إلَّا بِمَا مَلَكَ، لِأَنَّ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ لَمْ يَكُنْ النَّذْرُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ. كَمَا لَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ وَلَا مَالَ لَهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ مِنْهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ أَكْلَةٌ. وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا شَرِبْت فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ نَفَسٍ لَا بِكُلِّ مَصَّةٍ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ فَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِمْ جَازَ لِأَنَّ لُزُومَ النَّذْرِ إنَّمَا هُوَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَذَلِكَ بِالصَّدَقَةِ فَبِاعْتِبَارِهَا يَلْزَمُ لَا بِمَا زَادَ، وَأَيْضًا الصَّرْفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute