للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ وَعَدَمِ الْمَعْدِنِ، وَمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مَا يَكُونُ تَوَلُّدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ دُونَ مَائِيِّ الْمَوْلِدِ مُفْسِدٌ.

قَالَ

(وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

(قَوْلُهُ وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ) هُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ الْبَرِّيِّ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الدَّمِ) إنْ ثَبَتَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ مُفْسِدٌ، وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ لِلضُّفْدَعِ دَمٌ سَائِلٌ يُفْسِدُ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ لَوْ مَاتَتْ حَيَّةٌ بَرِّيَّةٌ لَا دَمَ فِيهَا فِي إنَاءٍ لَا يَنْجُسُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَمٌ يَنْجُسْ

(قَوْلُهُ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ) تَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ فِي حُكْمِهِ وَصِفَتِهِ وَسَبَبِ ثُبُوتِهَا لَهُ وَوَقْتِ ذَلِكَ، قَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ أَثْبَتَ فِيهِ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ، فَالْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُغَلِّظُ النَّجَاسَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ عَنْهُ مُخَفِّفُهَا، وَمُحَمَّدٌ عَنْهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَكُلٌّ أَخَذَ بِمَا رَوَاهُ.

وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: إنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ طَهَارَتَهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ أَنَّ الْآلَةَ الَّتِي تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَتُقَامُ بِهَا الْقُرْبَةُ تَتَدَنَّسُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَلَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَهُ مَالُ الزَّكَاةِ تَدَنَّسَ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ حَتَّى جَعَلَ مِنْ الْأَوْسَاخِ فِي لَفْظِهِ فَحَرُمَ عَلَى مَنْ شَرُفَ بِقَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ وَلَمْ تَصِل مَعَ هَذَا إلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى حَامِلُ دَرَاهِمِ الزَّكَاةِ صَحَّتْ، فَكَذَا يَجِبُ فِي الْمَاءِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِلُ إلَى التَّنْجِيسِ، وَهُوَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ إلَّا أَنْ يَقُومَ فِيهِ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ غَيْرُ هَذَا الْقِيَاسِ.

فَإِنْ قِيلَ قَدْ وَجَدْنَاهُ فَإِنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ الْمَاءِ، وَهِيَ قَاذُورَاتٌ يَنْتِجُ مِنْ الشَّكْلِ الثَّالِثِ بَعْضُ الْقَاذُورَاتِ يَخْرُجُ مَعَ الْمَاءِ وَبِذَلِكَ يَنْجُسُ. أَمَّا الصُّغْرَى فَلِقَوْلِهِ «إذَا تَوَضَّأَ الْمُؤْمِنُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» وَأَمَّا الْكُبْرَى فَلِقَوْلِهِ «مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ» فَالْجَوَابُ مَنْعُ أَنَّ إطْلَاقَ الْقَاذُورَاتِ عَلَى الْخَطَايَا حَقِيقِيٌّ، أَمَّا لُغَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا شَرْعًا فَلِجَوَازِ صَلَاةِ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهَا عَقِيبَ وُضُوئِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ النَّوَاقِضِ دُونَ غَسْلِ بَدَنِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ نَهْيُ الِاغْتِسَالِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا لِكَيْ لَا تَسْلُبَ الطَّهُورِيَّةَ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَيُصَلِّي. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ يَتَنَجَّسُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِهِ فِي لُزُومِ الْمَحْذُورِ وَهُوَ الصَّلَاةُ مَعَ الْمُنَافِي فَيَصْلُحُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُشِيرًا لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ.

وَجْهُ رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ، قِيَاسُ أَصْلِهِ: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَالْفَرْعُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحُكْمِيَّةِ بِجَامِعِ الِاسْتِعْمَالِ فِي النَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ وَصْفِ الْحَقِيقِيِّ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ، ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَقِيقِيَّةِ لَيْسَ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>