فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَالنَّفَلُ كُلُّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ)
لِأَنَّ رُخْصَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِخَوْفِ ازْدِيَادِ الْمَرَضِ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ، فَكَانَ كَالْمُسَافِرِ فِي تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ فِي حَقَّةِ بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى لِأَنَّ رُخْصَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ. قِيلَ: مَا قَالَاهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمَرَضِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى مَا يَضُرُّ بِهِ الصَّوْمُ نَحْوَ الْحُمَّيَاتِ وَوَجَعِ الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَمَا لَا يَضُرُّ بِهِ كَالْأَمْرَاضِ الرُّطُوبِيَّةِ وَفَسَادِ الْهَضْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالتَّرَخُّصُ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْمَشَقَّةِ فَيَتَعَلَّقُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِخَوْفِ ازْدِيَادِ الْمَرَضِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَفِي الثَّانِي بِحَقِيقَتِهِ فَإِذَا صَامَ هَذَا الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ أَوْ النَّفَلَ وَلَمْ يَهْلَك ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ التَّرَخُّصُ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَإِذَا صَامَ ذَلِكَ الْمَرِيضُ كَذَلِكَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى لِتَعَلُّقِهَا بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ كَالْمُسَافِرِ، فَيَسْتَقِيمُ جَوَابُ الْفَرِيقَيْنِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ: أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَهَذَا سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَخَافُ مِنْهُ ازْدِيَادَ الْمَرَضِ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا.
(قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ إنْ نَوَى مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقْدِيمُهَا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ) وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ثُبُوتَ التَّوَقُّفِ إنَّمَا كَانَ بِالنَّصِّ وَمَوْرِدُهُ كَانَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ فَعَقَلَ أَنَّ ثُبُوتَ التَّوَقُّفِ بِوَاسِطَةِ التَّعَيُّنِ مَعَ لُزُومِ النِّيَّةِ وَاشْتِرَاطِهَا فِي أَدَاءِ الْعِبَادَةِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَلِّي الزَّمَنَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِبَادَةُ عَنْ النِّيَّةِ وَكَانَ هَذَا رِفْقًا بِالْمُكَلَّفِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ فِي دِينِهِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْرِيرِهِ، وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ اعْتِبَارِ خُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ لِلْخُلُوِّ الْخَالِي عَنْهَا وَهُوَ الْأَصْلُ أَعْنِي اعْتِبَارَ الْخُلُوِّ لِلْخُلُوِّ الْخَالِي ضَرَرٌ دِينِيٌّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَأْثَمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِيهِ فَلَا مُوجِبَ لِلتَّوَقُّفِ، لَا يُقَالُ تَوَقَّفَ فِي النَّفْلِ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمُوجِبُ الَّذِي ذَكَرْت بَلْ مُجَرَّدُ طَلَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ مَعَ إسْقَاطِ الْفَرْضِ ثَابِتٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ هَذِهِ الصِّيَامَاتِ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَمْنَعُ مِنْهُ لُزُومُ كَوْنِ الْمَعْنَى نَاسِخًا بِالنَّصِّ، أَعْنِي قَوْلَهُ ﵊ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» إذْ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّصِّ مُقَارِنًا لِلْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَاهُ، وَهُوَ لَا يَتَعَدَّاهُ فَلَوْ أَخْرَجَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ النَّفَلَ قَدْ خَرَجَ أَيْضًا بِالنَّصِّ بِمَا ذَكَرْت مِمَّا عَقَلْت فِي إخْرَاجِ النَّفْلِ لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ شَيْءٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنْته وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَلَازِمُهُ كَوْنِ مَا عَيَّنْته فِي النَّفْلِ لَيْسَ مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِنْ شَرْعِيَّةِ الصِّحَّةِ فِي النَّفْلِ بَلْ مَقْصُودُهُ زِيَادَةُ تَخْفِيفِ النَّفْلِ عَلَى تَخْفِيفِ الْوَاجِبِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ التَّوَقُّفُ فِيهِ لِمُجَرَّدِ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ جَازَتْ نَافِلَتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَجَالِسًا بِلَا عُذْرٍ، بِخِلَافِ فَرِيضَتِهَا لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا. لَا يُقَالُ مَا عَلَّلْتُمْ بِهِ فِي الْمُعَيَّنِ قَاصِرٌ، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونَ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ.
لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لِلْقِيَاسِ لَا مُجَرَّدِ إبْدَاءِ مَعْنًى هُوَ حِكْمَةُ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَالنِّزَاعُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ التَّعْلِيلِ بِمَا يُسَاوِي الْقِيَاسَ أَوْ أَعَمَّ مِنْهُ لَا يُشَكُّ فِي هَذَا، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ [عَلَى الْبَدِيعِ] وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ: لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ: فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟ قِيلَ: هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute