للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) لِقَوْلِهِ «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ:

وَالْمَغْرِبُ دُونَ أُولَئِكَ، وَجْهُ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ " صُومُوا " مُعَلَّقًا بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ، وَبِرُؤْيَةِ قَوْمٍ يَصْدُقُ اسْمُ الرُّؤْيَةِ فَيَثْبُتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ، فَيَعُمُّ الْوُجُوبَ بِخِلَافِ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَعَلُّقُ عُمُومِ الْوُجُوبِ بِمُطْلَقِ مُسَمَّاهُ فِي خِطَابٍ مِنْ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ مُتَأَخِّرِي الرُّؤْيَةِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ، حَتَّى لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ فَصَامُوا وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ، وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ لَهُمْ فِطْرُ غَدٍ، وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا، وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ، وَمُخْتَارُ صَاحِبِ التَّجْرِيدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَعُورِضَ لَهُمْ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ: فَقَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُوهُ؟ فَقُلْت: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْت: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت: أَوْ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَوْمِهِ، فَقَالَ: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ، شَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي تَكْتَفِي بِالنُّونِ أَوْ بِالتَّاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِ الْمُرَادِ أَمْرَ كُلِّ أَهْلِ مَطْلَعٍ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِمْ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ لِلْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى نَحْوِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ أُمِّ الْفَضْلِ، وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ وَقَعَ لَنَا لَمْ نَحْكُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ.

فَإِنْ قِيلَ: إخْبَارُهُ عَنْ صَوْمِ مُعَاوِيَةَ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) الْكَلَامُ هُنَا فِي تَصْوِيرِ يَوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>