للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إنْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ: وَكَذَا إذَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَصَاعِدًا، وَإِنْ أَفْرَدَهُ فَقَدْ قِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ وَقَدْ قِيلَ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يُضْجَعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِي أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ

عَنْ الْكَامِلِ وَلَا يَكُونُ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، بَلْ دُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَائِشَةَ وَعَلِيٍّ فَإِنَّهُمَا كَانَ يَصُومَانِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّ مَذْهَبَ عَلِيٍّ خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ، لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ فِي صَوْمِهَا لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَصُومُهُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ كَيْ لَا تَقَعَ فِي إفْطَارِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَبْعُدُ أَنْ تَقْصِدَ بِهِ رَمَضَانَ بَعْدَ حُكْمِهَا بِأَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ احْتِمَالٌ، وَالْأَوْلَى فِي التَّمَسُّكِ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ حَدِيثُ السَّرَرِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ بَعْدَ الْجَمْعِ الَّذِي وَجَبَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ الِاسْتِحْبَابَ لَا الْإِبَاحَةَ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبًا لِلْمَفْسَدَةِ فِي الِاعْتِقَادِ، فَلِذَا كَانَ الْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ حَسْمًا لِمَادَّةِ اعْتِقَادِ الزِّيَادَةِ، وَيَصُومُ فِيهِ الْمُفْتِي سِرًّا لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِالْعِصْيَانِ فَإِنَّهُ أَفْتَاهُمْ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِحَدِيثِ الْعِصْيَانِ وَهُوَ مُشْتَهِرٌ بَيْنَ الْعَوَامّ.

فَإِذَا خَالَفَ إلَى الصَّوْمِ اتَّهَمُوهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَقِصَّةُ أَبِي يُوسُفَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مَنْ صَامَهُ مِنْ الْخَاصَّةِ لَا يُظْهِرُهُ لِلْعَامَّةِ وَهِيَ مَا حَكَاهُ أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَتَيْت بَابَ الرَّشِيدِ فَأَقْبَلَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَمِدْرَعَةٌ سَوْدَاءُ وَخُفٌّ أَسْوَدُ وَرَاكِبٌ عَلَى فَرَسٍ أَسْوَدَ، وَمَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَيَاضِ إلَّا لِحْيَتَهُ الْبَيْضَاءُ، وَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ فَأَفْتَى النَّاسَ بِالْفِطْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>