للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ لِأَنَّ الْعُضْوَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا لَكِنَّهُ نَجِسٌ حُكْمًا، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ نَجِسًا فَقُلْنَا بِانْتِفَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، وَلِأَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنَجُّسَ، إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ فَتَغَيَّرَتْ بِهِ صِفَتُهُ كَمَالِ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

إذْ يَقُولُ: مُجَرَّدُ الْقُرْبَةِ لَا يُدَنِّسُ بَلْ الْإِسْقَاطُ، فَإِنَّ الْمَالَ لَمْ يَتَدَنَّسْ بِمُجَرَّدِ التَّقَرُّبِ بِهِ، وَلِذَا جَازَ لِلْهَاشِمِيِّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، بَلْ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِيرَ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِالْإِسْقَاطِ مَعَ التَّقَرُّبِ، فَإِنَّ التَّصَرُّفَ: أَعْنِي مَالَ الزَّكَاةِ لَا يَنْفَرِدُ فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَنْهُ، إذْ لَا تَجُوزُ الزَّكَاةُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: غَايَةُ الْأَمْرِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ الْمَجْمُوعُ بَلْ ذَلِكَ دَائِرٌ مَعَ عَقْلِيَّةِ الْمُنَاسِبِ لِلْحُكْمِ.

فَإِنْ عُقِلَ اسْتِقْلَالُ كُلِّ حُكْمٍ بِهِ أَوْ الْمَجْمُوعِ حُكِمَ بِهِ، وَاَلَّذِي نَعْقِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّقَرُّبِ الْمَاحِي لِلسَّيِّئَاتِ وَالْإِسْقَاطِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّغَيُّرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ انْفَرَدَ وَصْفُ التَّقَرُّبِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَأَثَّرَ التَّغَيُّرُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ رَأَيْنَا الْأَثَرَ عِنْدَ سُقُوطِ وَصْفِ الْإِسْقَاطِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَشَدُّ فَحَرُمَ عَلَى قَرَابَتِهِ النَّاصِرَةِ لَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ كُلًّا أَثَّرَ تَغَيُّرًا شَرْعِيًّا، وَبِهَذَا يَبْعُدُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ التَّقَرُّبُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَ هَذَا مَذْهَبَهُ كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدٌ لَهُ وَمِثْلُهُ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ، وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُنْغَمِسِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ حَيْثُ قَالَ مُحَمَّدٌ الرَّجُلُ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ، جَوَابُهُ أَنَّ الْإِزَالَةَ عِنْدَهُ مُفْسِدَةٌ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ كَقَوْلِنَا جَمِيعًا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ الَّتِي طَهُرَتْ الْيَدَ فِي الْمَاءِ لِلِاغْتِرَافِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلْحَاجَةِ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ عَائِشَةَ اغْتِسَالَهَا مَعَهُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَكِلَاهُمَا جُنُبٌ، عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ رِجْلَهُ أَوْ رَأْسَهُ حَيْثُ يَفْسُدُ الْمَاءُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَا مَا فِي كِتَابِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ غَمَسَ جُنُبٌ أَوْ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِي إجَّانَةٍ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي الْإِدْخَالِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَتْ بِأَنْ وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْحُبِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لِإِخْرَاجِهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا.

نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ، قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ لِلتَّبَرُّدِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، فَهَذَا يُوجِبُ حَمْلَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى نَحْوِهِ ثُمَّ إدْخَالُ مُجَرَّدِ الْكَفِّ إنَّمَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا لَمْ يُرِدْ الْغُسْلَ فِيهِ بَلْ أَرَادَ رَفْعَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَرَادَ الْغُسْلَ إنْ كَانَ أُصْبُعًا أَوْ أَكْثَرَ دُونَ الْكَفِّ لَا يَضُرُّ مَعَ الْكَفِّ بِخِلَافِهِ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ حَاجَتِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>