هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْإِغْمَاءِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْقِطَ هُوَ الْحَرَجُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ، وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ فَيَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ (وَإِنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي بَعْضِهِ قَضَى مَا مَضَى) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. هُمَا يَقُولَانِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْقَضَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْمُسْتَوْعَبِ. وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ
الْوُجُوبِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَانِعِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ لِنُدْرَةِ امْتِدَادِ الْإِغْمَاءِ شَهْرًا.
وَبَسْطُ مَبْنَى هَذَا أَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي يَثْبُتُ جَبْرًا بِالسَّبَبِ أَعْنِي أَصْلَ الْوُجُوبِ لَا يَسْقُطُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ لِعَدَمِهِ أَوْ ضَعْفِهِ، بَلْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ مُجَرَّدَ إيصَالِ الْمَالِ لِجِهَةٍ كَالنَّفَقَةِ وَالدَّيْنِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ مَعَ هَذَا الْعَجْزِ، لِأَنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ فَيُطَالِبُ بِهِ وَلِيَّهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا نَفْسُ الْفِعْلِ لِيَظْهَرَ مَقْصُودُ الِابْتِلَاءِ مِنْ اخْتِيَارِ الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِ هَذَا الْعَجْزِ الْكَائِنِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ مِمَّا يَلْزَمُهُ الِامْتِدَادُ أَوْ لَا يَمْتَدُّ عَادَةً أَوْ قَدْ وَقَدْ.
فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ كَالصِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ إمَّا فِي الْأَدَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ فِي حَالَةِ الصِّبَا أَوْ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَرَجِ الْبَيِّنِ فَانْتَفَى، وَفِي الثَّانِي لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ مَعَهُ، بَلْ يَثْبُتُ شَرْعًا لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْخُلْفِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَيَصِلَ بِذَلِكَ إلَى مَصْلَحَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ رَحْمَةً عَلَيْهِ كَالنَّوْمِ، فَلَوْ نَامَ تَمَامَ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا شَرْعًا، فَعِلْمنَا أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ هَذَا الْعَارِضَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا عَدَمًا إذْ لَا حَرَجَ فِي ثُبُوتِ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي الْخُلْفِ، ثُمَّ لَوْ نَامَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَغَيُّرَ الِاعْتِبَارِ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ شَرْعًا، أَعْنِي اعْتِبَارَهُ عَدَمًا إذْ لَا حَرَجَ فِي النَّوَادِرِ، وَفِي الثَّالِثِ أَدَرْنَا ثُبُوتَ الْوُجُوبِ وَعَدَمَهُ عَلَى ثُبُوتِ الْحَرَجِ إلْحَاقًا لَهُ إذَا ثَبَتَ بِمَا يَلْزَمُهُ الِامْتِدَادُ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِمَا لَمْ يَمْتَدَّ عَادَةً فَقُلْنَا فِي الْإِغْمَاءِ يَلْحَقُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ بِمَا لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ النَّوْمُ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute